د. عبدالحق عزوزي
وجّه العاهل المغربي الملك محمد السادس مؤخراً، خطاباً بمناسبة الذكرى 63 لثورة الملك والشعب؛ وهي ثورة متجددة، يحمل مشعلها جيل عن جيل. وقد أشادت المنابر الدولية بتوقف الخطاب الملكي على ظاهرة الإرهاب المقيتة التي تأتي على الأخضر واليابس في الأوطان باسم الدين.... فأدان العاهل المغربي في خطابه بشدة قتل الأبرياء، فقتل راهب حرام شرعاً. وقتله داخل كنيسة حماقة لا تغتفر، لأنه إنسان، ولأنه رجل دين، وإن لم يكن مسلماً. والإسلام أوصانا خيراً بأهل الكتاب. قال تعالى: لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ. وقال عزّ وجلّ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ. إنّ الإرهابيين باسم الإسلام ليسوا مسلمين، ولا يربطهم بالإسلام إلاّ الدوافع التي يركبون عليها لتبرير جرائمهم وحماقاتهم. فهم قوم ضالون، مصيرهم جهنم خالدين فيها أبداً. إنهم يظنون، عن جهل، أن ما يقومون به جهاد. فمتى كان الجهاد هو قتل الأبرياء؟ قال تعالى: {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ.}
وهل من المعقول أن يأمر الله، الغفور الرحيم، شخصاً بتفجير نفسه، أو بقتل الأبرياء؟ علماً أنّ الإسلام لا يجيز أي نوع من الانتحار مهما كانت أسبابه. قال سبحانه: مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا (32) سورة المائدة. إن الإسلام دين السلام، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً.} والجهاد في الإسلام يخضع لشروط دقيقة من بينها أنه لا يكون إلا لضرورة دفاعية، ولا يمكن أن يكون من أجل القتل والعدوان، ومن المحرمات قتل النفوس بدعوى الجهاد.
ومن شروط صحة الجهاد أيضاً، كال قال العاهل المغربي في خطابه، أن الدعوة إليه هي من اختصاص إمارة المؤمنين. ولا يمكن أن تصدر عن أي فرد أو جماعة. والذين يدعون للقتل والعدوان، ويكفرون الناس بغير حق ويفسرون القرآن والسنّة بطريقة تحقق أغراضهم، إنما يكذبون على الله ورسوله.
وهذا هو الكفر الحقيقي، مصداقاً لقوله عزّ وجلّ: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (32) سورة الزمر. وقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار». كما يستغل الإرهابيون بعض الشباب المسلم، خاصة في أوروبا، وجهلهم باللغة العربية وبالإسلام الصحيح لتمرير رسائلهم الخاطئة ووعودهم الضالة.
فالإرهابيون والمتشدّدون يستعملون كل الوسائل لإقناع الشباب بالانضمام إليهم، ولضرب المجتمعات المتشبعة بقيم الحرية والانفتاح والتسامح. كما أنّ عدداً من الجماعات والهيئات الإسلامية تعتبر أن لها مرجعية في الدين، وأنها تمثل الإسلام الصحيح. مما يعني أن الآخرين ليسوا كذلك. والواقع أنها بعيدة عنه وعن قيمه السمحة. وهو ما يشجع على انتشار فكر التطرف والتكفير والإرهاب، لأنّ دعاة الإرهاب يعتقدون بأنه هو السبيل إلى الإسلام الصحيح. فعلى هؤلاء أن ينظروا إلى أي حدٍّ يتحملون المسؤولية في الجرائم والمآسي الإنسانية التي تقع باسم الإسلام....
هذا الكلام هو تشخيص حقيقي للظاهرة الإرهابية، ورد على أولئك الذين يزعمون أنّ لهم حق الوصاية على الناس، بحكم انتماءاتهم أو الأفضلية، ويقومون بإملاء ما يرون على الناس بالتقية أو بالاستدراج الذكي، أو بالقوة والعنف، فهو من نفث الشيطان لا من وحي الرحمن الكبير المتعالي... ثم إن للسياسة وتسيير البلدان شروطاً وقواعد، سماتها سمات عالمية، تتغير فقط بعض من بنودها البسيطة حسب الأحوال والأمصار وطبائع البشر، وكلما كانت هناك جماعات فاشية كما ظهر ذلك في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي في أوروبا، أو كانت هناك جماعات سياسية دينية تدعي أنها تملك حق الوصاية على رقاب الناس في الداخل والخارج إلا وكان مآلها الفشل، ولكن بعد أن تأتي للأسف الشديد على الأخضر واليابس... وكم من قادة منظرين لقواعد التفكيك والخراب في داعش كانوا في أحزاب لإسلامية تربوا في إيديولوجيتهم، ورفعوا بها أمجادهم الخاوية على عروشها لا أحياها الله بعد مماتها... فانفجرت الحروب المذهبية والطائفية داخل البلد الواحد وعبر الحدود، وتغيرت بعض الأنظمة السياسية لكي تصل دولها إلى مرحلة التفكك كليبياً مثلاً، وليسيطر فاعلون إرهابيون مسلحون وميليشيات مسلحة على أراضٍ شاسعة في منطقة الشرق الأوسط، ولله الأمر من قبل ومن بعد.