د. عبدالرحمن الشلاش
عندما تسافر لأي مدينة في المملكة تقابلك وجوه أهل المدينة عند مداخلها، وفي شوارعها وطرقاتها، وحتى في أسواقها، وفي أماكن ترددك، ولأنك لا تعرف المدينة ولا معالمها إلا ربما عن طريق الدليلة «قوقل ماب» أو ما يسمى باللوكيشن، وتعريبه الموقع، وكثير ممن ستصادفهم إن لم يكن كلهم لا يعرفونك وبالتالي فإن معظم تصرفاتهم وسلوكياتهم وردود أفعالهم ستكون تلقائية ومباشرة بل ومعبرة، فإن كانت حسنة ستعطي انطباعا جميلا عن المدينة وأهلها وسيحمل الزائر هذا الانطباع في ذاكرته إلى الأبد وينقله للغير عبر أحاديثه، وإن كانت سيئة لا قدر الله وهنا المشكلة فإنها ستعطي انطباعا لن يمحى من الذاكرة بسهولة.
أذكر قبل سنوات سافرت لإحدى مدن بلادي برفقة العائلة، وصادف وقت وصولي أن كان بعد العشاء وفي وقت متأخر نسبياً وكانت أيام عطلة ربيع. بحثت كثيراً عن سكن فوجدت جميع الفنادق والشقق مشغولة على الأقل التي استطعت الوصول لها آنذاك قبل وجود الدليلة «اللوكيشن» الله يخليه لنا ولا يحرمنا من بركاته ويثيب من اخترعه ويجزيه خير الجزاء. عندما تعبت من كثرة الدوران نزلت كي أوقف أي سيارة عابرة، دون انتظار طويل وقفت سيارة ونزل منها شاب سمح المحيا بادرني فورا «أومرني» قلت له بعد أن سلمت عليه ما يأمر عليك عدو وسألته إن كان بمقدوره أن يساعدنا بالعثور على سكن قال لي سأقترح عليك أن أستضيفكم الليلة في منزلي لكني شكرته ولم أقبل بالاقتراح كوني لا أرغب بالإثقال عليه فقال لي أجل اتبعني فوصلنا إلى منزل وطرق الباب فخرج رجل متوسط العمر ثم حادثه وركب معه السيارة فانطلق بنا إلى عمارة ثم نزلا وغابا داخل العمارة قبل عودتهما يحملان البشائر بالعثور على شقة مناسبة. هذان الرجلان تركا في نفسي أثرا جميلا ما زال حاضرا، أنهما من الوجوه الرائعة لمدينتهما، وأجزم أن غيرهما كثير في مدن أخرى.
وفي المقابل هناك وجوه لا تترك لدى الزائرين انطباعات جميلة بل على العكس بعض المدن حين تدخلها حتى ولو كنت عابرا ولا تنوي الإقامة تشعر بالضيق من تصرفات مستفزة من بعض سكانها، ومن تخطيط المدينة نفسها وشوارعها الضيقة ومن سوء النظافة. تغيير الصور السيئة وتقديم وجوه جميلة لمدينة أكثر روعة عمل كبير تضطلع به الأمانات والبلديات ولجان الأهالي خاصة ومدننا مناطق عبور للمسافرين والزائرين.