د.محمد بن سعد الشويعر
خلق الله هذا الكون في نظام دقيق وبديع، فأبدع في خلقه سبحانه، فخلق الإنسان ليعبد الله ويتفكر في بديع خلقه وكائناته فلم يخلق أي شيء عبثاً، كل مخلوق وله عمله الموكل إليه في هذه الحياة الدنيا.
هل فكر الإنسان، فيما أودعه الله في الدنيا من أسرار وعجائب ومعجزات، ليرى عظمة الخالق فيما خلق، هل فكر في خلق السموات والأرض والجبال وثباتها، والمجرات والكواكب والشمس والقمر والنجوم، هل فكر في كيفية دوران الأرض، هل فكر في خلق البحار والمحيطات والأنهار وما فيها من كائنات، هل فكر في خلق الإنسان «وهو المهم في هذه الحياة» الذي هيئ له كل مقدرات الحياة وأكرمه ونعمه.
فنعم الله على الإنسان كثيرة لا تعد ولا تحص، فعلى سبيل المثال «القلب ومكانته» إذ إن الله خلق الإنسان من طين، وجعله في قرارٍ مكين، وميّزه بالعقل والإدراك، وكلّفه بالشرائع ليعبد ربه كما أمره، وتصديقاً برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. يقول عليه الصلاة والسلام: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) متفق عليه.
فالقلب معجزة من معجزات الله لا يدركها إلا من أنار الله بصيرته؛ لأنه موطن العقل والتبصّر، ففي القلب صلاح للجسد كله، فقال سبحانه في سورة الحج في مقام الرد على المشركين المكذبين لرسالة محمد عليه الصلاة والسلام: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) سورة الحـج.
يقول الشيخ الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان: والآية تدل على أن محل العقل في القلب، ومحل السمع في الأذن، فما يزعمه الفلاسفة أن محل العقل الدماغ باطل، كما أوضحت الآية الكريمة، وكذلك قول من زعم أن العقل لا مركز له أصلا في الإنسان، لأنه زماني فقط، لا مكاني، فهو في غاية السقوط والبطلان كما ترى.
إن حياة القلب بالفهم والإدراك، تعني حياة الإحساس والوعي، وهذا سر من أسرار النّفس البشرية، إذ بتوقفه تقف الحياة في الجسد، ويتحول إلى جثّة هامدة، وهذا لا يدركه إلا من كان قلبه عاقلاً وفؤاده متيقظاً، وهذا هو الفرق بين قلب المدرك المستجيب، والحيوان غير المكلف (يراجع أضواء البيان للشيخ الشنقيطي 5: 715)
أما السّرّ العلمي الذي يظهر لذوي الاختصاص، فهو فيما أودعه الله سبحانه، في هذا القلب من حركة دائبة في القبض والانبساط، وطريقة محكمة في الضّخّ والتوزيع.
فكما أن القلب سيّد الجوارح وملكها، فإن إدراكه يسيطر عليها جميعاً، وهو بتقدير العزيز الحكيم، توجيهاً لما يجب أن يعمله، حسبما يملى عليها، أو يُلقى من توجيهات، من أوامر.
فمن معجزة هذا القلب الذي هو عضلة صغيرة، في حجم قبضة اليد تقريباً، قد جعل الله فيه خاصية عجيبة في تكوينه وعمله، فلا تستطيع الأجهزة الضخمة والمعقدة أن تقوم بمثل عمله وأن يبقى يعمل طوال الحياة، فيما لو حاول البشر أن يستبدلوه بأجهزة من صنعهم، إذ قد حاولت جامعات كثيرة في تجارب فعجزوا عن توفير البديل، فسبحان من خلق فسوى وقدر فهدى، وبالنظر في تشريحه التكويني، فهو من عضلات تختلف عن عضلات الجسم، والقلب لا يهدأ في عمله ليلاً ونهاراً، وتوقّفه إيذاناً بالموت.
فقد تحدث كثيراً بعض كبار الجراحين في القلب من المسلمين، فقالوا: إننا نشعر بعظمة الخالق وقدرته عندما نجري بعض عمليات فتح القلب لمريض يحتاج لعملية دقيقة، وما نراه من أسرار متعددة تنكشف أمامنا، عن معجزات الخالق سبحانه «فالله أكبر».
فهذه نعمة من الله تستوجب الشكر الكثير على ما أنعم الله به على مخلوقاته.
هذا بعض ما ذكرته عن هذه المعجزة الإلهية في الإنسان «القلب» وهذا مما يدل على عظمة الخالق سبحانه ونحن عنه غافلون، فسبحان من أعطى كل خلقه ثم هدى.
فسبحان من قدّر هذا وأحكمه وأتقنه، وقد أمرنا سبحانه بالتفكر في أنفسنا أولاً بقوله الكريم {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (21) سورة الذاريات.