إن البكاء على ضحايا الإرهاب والتنديد والشجب وردات الفعل, رغم تفهمنا لها وتعاطفنا مع أهل الضحايا, لن تساهم في القضاء على الإرهاب. بل الذي يساهم في القضاء على الإرهاب هو ثقافة الإخاء الإنساني العابر للأعراق وللأديان وللحدود وللثقافات. وبدون ذلك سيبقى الإرهاب ظل البشرية ويتمدد مما يحول العالم إلى غابة من الرعب والدماء والأشلاء.
إن ملايين الشعب السوري يبكون يومياً ضحاياهم ويشجبون وينددون بالنظام الأسدي الدموي وبالمليشيات الوافدة التي تدعمه والدول والأجهزة المخابراتية التي تنسق معه سراً وعلانية, لكن هذا البكاء والشجب لن يخلصهم من إرهاب هذا النظام الدموي, بل الذي يخلصهم ويحقق العدالة لهم هو ثورتهم التي رايتها الإخاء الإنساني ضده وضد كل القوى التي تدعمه حتى يتم تحرير سوريا منه ومن براثين تلك الدول التي تدعمه.
طبعاً يمكن لقيادات الدول ومؤسسات المجتمع المدني والمنابر الإعلامية حول العالم أن تتحف البشرية بخطابات رنانة وأشعار موزونة بشأن تبنيها ثقافة الإخاء الإنساني, بينما على أرض الواقع هناك ممارسات بوليسية إرهابية, بحجة الأمن القومي وبحجة محاربة الإرهاب, كما يدعي نظام الأسد الذي هو الإرهاب بعينه, ونشر ثقافة الحقد والكراهية ضد أعراق أو أديان أو مجتمعات من خلال تثقيف شعبي مضلل عبر المدارس والجامعات والمنابر الثقافية العنصرية الفاشية. فإن ذلك سيزيد من انتشار الإرهاب وانتشار الأحقاد بين المجتمعات.
إذن ما هي الإجراءات العملية التي يتوجب على الأنظمة السياسية تنفيذها وبصرامة وبحيث يكون هناك هيئات مراقبة وطنية وأممية حتى تتمكن الدول من العيش بسلام بعيداً عن الإرهاب ومجازره؟.
لا شك أن المفتاح السحري لتنفيذ مخطط نشر ثقافة الإخاء الإنساني هو بيد الأجهزة الأمنية والبوليسية في كل دولة. للأسف الشديد في أي دولة في العالم هناك ما يسمى بالدولة العميقة التي تتحكم بمصائر الشعوب في غرف عمليات مظلمة بعيداً عن مراقبة المجتمعات. وهذا ما يفقد العملية الديمقراطية قيمتها ويشوهها وينشر الفساد والحقد بين شرائح المجتمع.
طالما أن الحكومة المنتخبة في أي دولة ديمقراطية لا تتمتع بصلاحيات تأسيس جهاز قضائي مدني يشرف على الأجهزة الأمنية والبوليسية ويحاكمها علناً، وبحيث لا تستطيع أن تنفذ تلك الأجهزة شيئاً إلا وفق إرشادات ذلك الجهاز القضائي المدني المعين من قبل الحكومات المنتخبة, فإن الإرهاب سيبقى ظل تلك الأجهزة الأمنية والبوليسية التي تتخذ من البلطجة والفساد ونشر الأحقاد والتمييز وفق العرق أو الدين أو الثقافة نهجاً لها متلحفة بمكافحة الإرهاب والمصالح القومية.
الحقيقة المرة هي أن إرهاب الأجهزة الأمنية والبوليسية الفاسدة وغير الخاضعة إلى محاكم مدنية تعينها الحكومات المنتخبة, هو أخطر بكثير على البشرية من منظمات إرهابية مشردة هنا وهناك. عندما يتحكم جهاز أمني بوليسي بمقدرات دولة وصلاحيات كبيرة جداً وبحيث يتحكم بأنفاس الناس, ثم يعبث ويفسد ويتبلطج ولا يتم محاسبته إلا وفق آلية صورية من تصميم نفس الأجهزة الأمنية والبوليسية الفاسدة على مبدأ «حاميها حراميها», فإن الإرهاب سينتشر مثل انتشار النار في الهشيم.
على سبيل المثال, كم تعاني أمريكا من فساد أجهزتها البوليسية وفق اعترافات الحكومات الأمريكية المتتالية, لكن هل يستطيع أي رئيس أمريكي أن يحاسب أي شرطي قام بعمل إجرامي ضد مواطن بريء؟ بالتأكيد لا وألف لا, كل ما في وسع الرئيس الأمريكي هو أن يتأكد من أن الأجهزة البوليسية حققت في الأمر وحاسبت ذلك الشرطي وفق قوانين الشرطة.
وما أدراك ما هي آلية الحساب التي تديرها تلك الأجهزة البوليسية الفاسدة التي تحمي أي شرطي مهما عمل من جرائم وتعاقبه عقوبات مخففة فقط لتبريد الرأي العام.
لو أن الرئيس الأمريكي أمر بتشكيل لجنة قضائية مدنية لمقاضاة ذلك الشرطي ورؤسائه وتم تجريم ذلك الشرطي كقاتل وتم تنفيذ حكم الإعدام فيه وأمام الملأ وتم إعفاء رؤسائه المباشرين من الخدمة, لأصبحت الأجهزة الأمنية والبوليسية نظيفة من الإجرام والإرهاب، ومن ثم يختفي الحقد الشعبي على الشرطة. لكن للأسف إن الأجهزة الأمنية والبوليسية هي التي تتحكم بالرئيس وليس العكس. هي التي تعطيه الأوامر بالخروج من البيت الأبيض بسرعة لأن هناك شبهة بعمل إجرامي, وهي التي تقول له اخلع بنطالك لأن هناك نملة إرهابية تسللت إلى داخل بنطالك. وهو لا يملك إلا الطاعة لأنه يعرف البير وغطاءه.
إن البعض يحاول أن يشكك بالديمقراطية بسبب ممارسات الأجهزة الأمنية الإرهابية في هذا البلد الديمقراطي أو ذاك, إن هذا خلط خطير وتشويه مقصود للديمقراطية. لولا الديمقراطية لما تقدمت البشرية قيد أنملة.
منذ أن خلق الإنسان وهو يكافح من أجل الديمقراطية لتحجيم الظلم والإرهاب. ألم يَثر سيدنا موسى على ظلم فرعون؟ ألم يَثر سيدنا عيسى على الظلم والإرهاب؟, ألم يَثر سيدنا محمد على الظلم والإرهاب؟, ألم تَثر الشعوب على الطواغيت عبر العصور؟. إن كل هذه الثورات هي مسامير فولاذية في نعوش الظلم والإرهاب والأجهزة الأمنية الإرهابية التي لا زالت متمترسة في مجاري الشعوب.
ملخص القول: إن العالم قد دخل قرن الإخاء الإنساني, رغم الممانعة الدموية لنقابة الأجهزة الأمنية حول العالم, وإن هذا الإخاء الإنساني يقوم على المبادئ التالية:
أولاً: كل مجتمع يختار ديمقراطياً قوانينه وثقافته وقيمه وحكومته بعيداً عن أي بلطجة داخلية أو خارجية.
ثانياً : لا يوجد هناك شيء اسمه حق فيتو لأي قوة في العالم. إن الأمم المتحدة على أبواب إعادة هيكلة جذرية وفق قوانين إنسانية عادلة وبحيث لا يحق لأي دولة أن تصبح عضواً إلا إذا كان شعبها راضياً عنها وفق استفتاء بإشراف أممي، وإن التصويت بغالبية الأصوات في الأمم المتحدة هو الذي يقرر إدارة المصالح الدولية والحكم بين الدول. انتهى عصر البلطجة الدولية الذي أعقب الحروب العالمية. لا شيء ينهي الإرهاب بكل أشكاله إن كان مخابراتياً أو منظمات إرهابية إلا بناء نظام دولي بوصلته الإخاء الإنساني بعيداً عن أي تمييز عرقي أو ديني أو ثقافي.
ثالثاً: هناك صراع سري وعلني بين الأديان تغذيه أجهزة مخابراتية ومنابر إعلامية ترضع الأجيال أحقاداً وسموماً تسبب حروباً ومجازر وحصاراً وصراعات دموية. لا بد من نشر ثقافة قبول الآخر مهما كانت معتقداته الدينية. إن التضييق والتهميش والتمييز ضد شرائح مجتمعية هو بمثابة تفريخ للإرهاب. العدالة هي أفضل مبيد للإرهاب بكل أشكاله إن كان مخابراتياً أو منظمات إرهابية أو ذئاباً منفردة.
رابعاً: آن للبشرية أن تؤسس جامعة عالمية مختصة بتخريج الأجهزة الأمنية والبوليسية وفق مبادئ الإخاء الإنساني, وبحيث يتم إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والبوليسية عالمياً، وبحيث تصبح داعمة للعدالة وليست قائمة على البلطجة والإرهاب والتمييز.
إنها أحلام معظم البشرية, وإنها ستتحقق مهما تشبث الإرهاب الدولي بجحوره المخابراتية والمنظمات الإرهابية. ومهما تبلطجت القوى العظمى ضد الشعوب كما هو حاصل اليوم من بلطجة روسية أمريكية ضد الشعب السوري, حيث كلاهما دعما نظاماً دكتاتورياً إرهابياً يقتل شعبه في وضح النهار, كثير من الأجهزة المخابراتية ذات الأنظمة الديمقراطية التي تتدعي حمل لواء حقوق الإنسان, تنسق مع مخابرات الأسد وتبارك قتله لشعبه ودماره لوطنه، لأن ذلك يحقق لها مكاسب قذرة على حساب الشعب السوري. وهو ما اعترف به على الملأ بشار الأسد بأن أجهزة أمنية غربية كثيرة تنسق مع نظامه.
إن تضحية الشعب السوري هي المشعل الذي سيضيء للبشرية طريق الخلاص من كل أشكال الإرهاب المخابراتي ويؤسس لبناء نظام دولي أكثر عدالة. بإمكان القوى العظمى أن تدمر أوطاناً لكن ليس بإمكانها أن تطفئ نور الثورات التي ستطيح بها مهما تشبثت في جحورها في مجاري الشعوب ومهما كانت قوتها وكذبها بأنها حامية حقوق الإنسان, بينما هي تنسق مع نظام الأسد الدموي الإرهابي الذي يقتل شعبه.
إنه قرن الإخاء الإنساني الذي سيفتت النظام المخابراتي الدولي الإرهابي وتوابعه من منظمات إرهابية ويؤسس نظاماً دولياً لا يفرق بين الشعوب والأعراق والأديان والثقافات. ولا يسمح للدول الكبرى أن تتبلطج على الدول الضعيفة من أجل نهب خيراتها وتجويع شعوبها وتفتيت أوطانها. إنه قرن العدالة فليحذر المجرمون المتمكنون من رقاب الشعوب. وليأمل خيراً كل شعوب الأرض المضطهدة مهما كان دينها أو عرقها أو ثقافتها.
«متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً».
- كندا