د. محمد بن إبراهيم الملحم
تولي المرأة مناصب قيادية عليا في وزارة التعليم بمستوى مدير عام لم تكن تحلم به مسئولات التعليم في فترة سابقة لسيطرة التفكير الذكوري على المسألة القيادية وهذا لا علاقة له بالدين طبعا وإنما انعكاس لثقافة محلية تستقي من إرث الحياة الصحراوية المبالغة في قيمة الرجل كعنصر يحمي القبيلة والمرأة بالنسبة له لا تزيد عن متاع البيت وأثاثه، وهي فلسفة جاهلية حرص الإسلام أن ينكرها ويرفع المرأة ويعطيها الفرصة تماما كما حرص على إزالة المعتقدات الجاهلية الأخرى كالعنصرية القبلية لكن لم تنعدم بتاتا لحكمة يعلمها الله وظلت العنصرية القبلية كما ظلت أيضا بقية التصورات الجاهلية (ومنها النظرة إلى المرأة) متوارثة في أجيال المسلمين وبخاصة في الجزيرة العربية حتى يومنا هذا. وفي مرحلة من تاريخ وزارة التعليم اهتمت بتعيين المرأة في مناصب قيادية كمدير عام ووكيل وزارة في خطوة تستحق التقدير، بيد أنها في رأيي ربما قضت على فرصة المرأة السعودية للتقدم في هذا المضمار، ذلك أن تلك التعيينات خلت من ثلاث مقومات رئيسية مهمة لخطوات أولى لتغيير قيادي من هذا النوع، مما جعل دور المرأة القائدة بالوزارة نمطيا وربما أقل من النمطي فلم يرتق بالنظرة السلبية نحو قدراتها، تلك المقومات الثلاث هي: التدريب والتمكين وكمال المشاركة.
عندما نذكر التدريب يتبادر إلى الذهن الدورات التدريبية ولها أهميتها فيجب أن تحصل القائدة الجديدة على تدريب قيادي احترافي قبل تسلمها العمل الجديد بيد أن الأهم هو التدريب بطريقة التوأمة Twinning أو ما يماثله فيعين قائد مميز في مهاراته ومعرفته كمرجع تتعلم منه وتستشيره، وأجزم أن هذا ربما حصل «اجتهاديا» بيد أنه ليس من خلال الوزارة ليثمر فتلك الاجتهادات الشخصية لن تتعدى بضعة استشارات ثم تتوقف للحرج من استهلاك وقت المستشار. بدون التدريب تبني المرأة شخصيتها القيادية بتصوراتها المهنية التي أحضرتها معها منذ أول عمل قيادي والذي يكون غالبا «مديرة مدرسة» فإذا بنا نجد مديرة عامة أو وكيلة وزارة تعمل بنمط مديرة مدرسة! ولا أقول الكل طبعا..
التمكين هو المشكلة الثانية وهو مرتبط بالمعرفة الإدارية ونطاق الصلاحيات حيث إن نقص المعرفة الكبير لدى هؤلاء القيادات التربوية (خاصة في مجال التعليمات والأنظمة الإدارية) جعل صلاحياتهن رهن الاعتقال لدى أصحاب الخبرة من زملائهن مدراء العموم وأحيانا بعض الموظفين من خبراء النظام، كما أنه قد يوقعهن في الأخطاء المتكررة التي تظهرهن أمام أصحاب القرار أقل شأنا من زملائهن المدراء الرجال ولا ننسى أن النمط السائد في ممارسات المدرسة الإدارية السعودية هو الاستعجال في إصدار الأحكام على تصرفات الأشخاص منذ أول وهلة وهذه أسميها «متلازمة النظرة الأولى» وأقصد بها أن تلك النظرة عليك وليست لك!
أما كمال المشاركة فهو طامة الطوام فهي لا تشارك في اللجان الكثيرة التي تزخر بها الوزارة إلا إذا كان الوضع يستدعي ذلك والسبب هو الحاجة إلى قاعات الدائرة الصوتية ولأنها محدودة فإن تكوين اللجان يميل إلى الجانب الذكوري، بعض اللجان أيضا مسائية فيصعب على المرأة الانضمام إليها، وغير ذلك من الأسباب المنطقية وغير المنطقية لكن ذلك كله يمكن التعامل معه والبحث عن حلول. تمكين المرأة السعودية من العمل القيادي فن قيادي من نوع خاص ينبغي التصدي له بالدراسة وحسن التطبيق.