د. فوزية البكر
يكاد الصيف أن يتجاوزنا أخيراً مترنحاً بعباءته الثقيلة وها هم خريجو الثانوية يركضون هنا وهناك بحثاً عن مقعد يحقق رغبتهم في التعليم الجامعي ورغم كل الأحلام إلا أن حقيقة التوزيع الآلي على التخصصات بحسب وفرة المقاعد تبقى حقيقة مؤلمة تؤرق الطلاب وأهاليهم، لكن وكأن امتحانات القياس وامتحانات التخصص والتوزيع الإلكتروني وعدم الظفر بمقعد مضمون في تخصص يؤدي إلى عمل محترم.. أقول كأن كل هذه المنغصات لم تكن كافية لتأتي المقابلات الشخصية لقبول الطلاب والطالبات الجدد بما لم يكن في الحسبان.
ولمن هم بعيدون عن حياة الجامعات فطلاب اليوم يجبرون على القبول الجماعي إلكترونياً الذي يوزع الطلاب على الجامعات المختلفة بحسب سعتها وحسب نسب الطلاب التي تحصلوا عليها في الثانوية مضافاً لها درجات اختبارات القياس والتحصيلي وذلك كله للدخول للسنة التحضيرية لكن يسبق ذلك أيضاً مقابلات تجريها الجامعات للطلاب للتأكد عادة من وجود متطلبات عامة كسلامة الحواس والقدرة على التعبير عن النفس وربما أجريت بعض الاختبارات التحريرية كجزء من كشف قدرات الكتابة والإملاء بعد فضائح تعليمنا العام في إعداد طلبة غير قادرين على كتابة صفحة واحدة باللغة العربية دون أخطاء لغوية.
سأنقل لكم بالضبط ما روته لي إحدى الطالبات من خريجات الثانوية حين ذهبت لإجراء المقابلة الشخصية في إحدى الجامعات المعروفة في مدينة الرياض. لن أغير في الكلمات الصغيرة الساذجة لأن ذلك مفتاح لفهم جيل مترف في غالبه وبعيد عن هموم الدنيا في هذه المرحلة، لكن ما يرعب هو حجم الأدلجة التي تنضح بها أسئلة المقابلة وكأنها كرسي اعتراف بخطايا الأرض. لنسمع:
(سألوني واش ألبس عادة ونوع عبايتي على الرأس أو الكتف؟ وكذبت طبعاً عليهم وبعدين قالوا عطينا نشوف خلفية جوالك وسألوني من عندك في توتير؟ وكذبت عليهم وقلت لهم إني أتحجب في السفر: حسبت إنها بتقولي وتفتخر إني متحجبة، لا هزئتني وقالت ليش ما تتنقبين: تخيلوا، هي أصلاً وش دخلها؟
سألتني أيضاً: وش العلمانيين؟ وقالوا وش الظاهرة الشينة المنتشرة عند البنات اللي ما تعجبك؟ وطلبت مني بطاقة أحوالي وقالت ليش صورتك هنا غير؟ قلت: حاطة ميك أب يعني؟ أقصد مو مرة بس راسمه حواجبي وحاطة ماسكرا وروج يعني قالت لي اللي تقابل: ما تخافين يشوفونها رجال؟ عيب عليك، خوفي من الله! وهزئتني تهزئ، شوي أصيح انا على نفسي.
وبعدين نقلت وسألتني: من عندك مشاهير في سناب تشات؟ من المشاهير اللي تابعينهم؟ قلت: لا ما عندي إلا أفنان الباتل؟ وقلت لها لا أنا ما اتابع كثير ناس. ما تدري إن عندي نصف عيال الرياض وما عندي أفنان أصلاً؟ جتني مطوعة الله يهديها وسألتني أشياء عن الدين وأحرجتني وخلتني أكذب كل الكذب اللي في حياتي.
ثم نقلت لصديقاتي وقالت: إذا اجتمعتي إنت وصاحباتك وش تسوون؟ وايش رأيك في البنات اللي يشيشون؟ وسألتني: هل تدعمين قيادة المرأة للسيارة؟
وسألوني وش تسوين في وقت فراغك؟ قلت: أتابع أفلام. قالوا: كوميدية ولا أكشن؟ قالت لي: تدرين ان مطالعة هاذي الأفلام حرام! وسألتني إذا أعرف وش حكم هاذي الأفلام)
هذا كان فحوى مقابلة طالبة تريد الالتحاق بالجامعة.. كم أن ذلك محزن مبكٍ؟ ولا سؤال حول نوع التخصص؟ أو ماذا تريد أن تفعل في المستقبل؟ أو حول ما يحدث حولنا من أحداث مرعبة تملأ سماء الأرض والسماء وتكاد تودي بنا إلى التهلكة, لا شيء من ذلك فلا يهم هذه المؤسسة الجامعية أن تخرج مواطنة منتجة للمعرفة تساعد بعلمها على تحويل اقتصادنا البترولي إلى اقتصاد المعرفة عبر القدرات الشابة التي يضمها هذا الوطن، كل هذه الأدلجة والتحزبات خلف أسوار الجامعات؟ رماد راكد تشتعل من تحته نار ستحرقنا جميعاً إن لم نستيقظ فهل آن الآوان؟