د.فوزية أبو خالد
1
لااااااا لمسرح العبث بالأطفال
لا أدري كيف لانفقد القدرة على إغماض عيوننا ولاالرغبة في أن نفتح أفواهنا ولا المعرفة في كيف نتنفس ولاالحس بأننا بشر أو كيف ندعي أننا مازلنا قادرين على أن نعد أنفسنا بشر وكل هذا الشر البواح يشتعل في آلاف الأطفال أمامنا على الشاشات, وكأنه هشيم في الحديقة الخلفية لأوطان كانت أوطانا. وكأن فلذات الأكباد الذين تلعب بهم الحرب ليسوا أطفال نجران واليمن وسوريا وليبيا ولبنان.
2
كأن من تتهدم عليهم بيوتهم ومن يلفظهم البحر ومن يحرقهم الكيمياوي والقنابل العنقودية دمى في فيلم عن حرب أجرام نائية مجهولة وليسوا أطفالا أحياء من لحم ودم وجوارح وعيون وأرواح مرهفة، يقتلون أمام العالم عن سابق عمد وبترصد وإصرار. لم يكن صحيحاً كلام أوباما في خطابه الأخير عندما قال أنه في حرب أمريكا والغرب على الإرهاب كان هناك ضحايا أبرياء ذهبوا بالخطأ إلا لوصدقنا أن قنبلة هيروشيما ونجزاكي كانت تحاول تجنب قتل الأطفال الأبرياء في تلك البلدتين التين تحولنا ببشرهما وحجرهما إلى رماد وغاز وفناء.
3
ليس صحيحا أننا أبرياء من دم هؤلاء الأطفال إلا لو صدقنا أن روسيا تزور سوريا بغرض تقديم عرضا لمسرحية بحيرة البجع لمايكوفسكي بهدف الترفيه عن قتلاها وقتلى النظام السوري في الريف و الأحياء الشعبية لحلب وحمص وداريا وبقية بلاد الشام.
ليس منا من لم يتلطخ ضميره بدم الأبرياء الا لو صدقنا أن عش الغراب فرخ جيوشا من الوحوش أسمها داعش وأن الصدفة عرشت ميليشيات النظام الإثقراطي الإيراني ليطوق الثعبان العراق وسوريا واليمن ولبنان دفعة واحدة دون أن ننتبه الا بعد أن أبتلع البيض وشرع في اقتلاع الأعشاش عن الشجر..
4
تجديد الجورينكا
بأكبر جونسايد تاريخي
للإبادة الجماعية
لا أدري كيف لايشق بيكاسو رخام القبر ويخرج على هذا الذبح والحريق و التخريب العشوائي والمنظم الذي يفرش هذه المنطقة من العالم بالأنقاض والأشلاء , ليرسم من جديد لوحة لجورينكا القرن الواحد والعشرين, فربما يتحرك الضمير العالمي إن كان في الموتى من بقوا أحياء.
لا أدري كيف لايفز محمود درويش ينفض تراب المدفن عن قامته أو بالأحرى عن قبورنا المتحركة بنا والمنكفئة علينا, ليكتب داريا ودومة وجزيرة الخالدية وتعز وسرت وحلب وحمص وحي الوعرة كما كتب الكرمل ويافا وبيسان وبيروت, فالربما ينقذ لنا من الخريطة العربية أخيلتها، ومن الأماكن ذكراها ومن الأطفال أسماءهم أو شيئا من براءتهم المختطفة بالنابالم أمام الشاشات. لعل ريشة من أجنحة الشعر بين الأنقاض تترك مايدل على أنه كان منا في الموات أحياء يقاومون حروبا طاحنة بقصيدة غرة.
5
لا أدري كيف يواجه ربيع براغ العربي بالهروات, وكيف تتكرر كارثة حماة وتتكرر كل مذابح الهجانا بفلسطين من كفر قاسم إلى دير ياسين وكل فجائع فيتنام بنفس السيناريو وبنفس الأبطال والضحايا وبنفس قضايا الصراع بين الحرية وبين الإلحاق والهيمنة وكل مشتقات الاستحواذ والاستعباد. لا أدري كيف اختلاف إضاءات مسرح الجريمة بين ذلك البصيص الشحيح الذي كان بالكاد يتسرب من وراء الستار الحديدي ومن وراء التعتيم الإعلامي ومن وراء التباعد الجغرافي في الستينات والسبعينات والثمانينات , وبين إضاءات الإعلام الصارخة لعودة وإنكشاف عورة تلك المشاهد الضارية اليوم, دون أن يضيف أي ثقل في ميزان الضمير.
بل أن العقل ليحار ويكاد يجن من الكيفية التي يسود بها صمت عالمي مطبق تجاه الحروب الكارثية (جونسايد ) التي توجه لهذه المنطقة بأيدي أبناءها وبأيدي الأغراب بالأصالة والنيابة عن أصحاب المصلحة في هذا التدمير الشامل للبشر والحجر على حد سواء.
6
حروب
تريد
لتجريف التاريخ والجغرافيا
محو الذاكرة الشخصية
وتغيير الملامح الجينية للبشر
كأن الحروب المؤججة في المنطقة لا تكفيها فداحات الحرب المعتادة فتريد إتلاف الذاكرة الشخصية والجمعية لأهل المنطقة أكانوا ضحايا أوشهودا , تريد محو التاريخ , تغيير الملامح الجينية لمن يبقى منهم أحياء بقدر لايقل عن شهوة هتك النسيج الاجتماعي وخطة تجريف الجغرافيا وتفكيك المكان لغة وعقلا ووجداناً.
كأن المكارثية بأقسى وأبشع أشكال ومعاني الخوف الخنوعي قد خرجت من تاريخ أمريكا لحقبة الخمسينيات وعمت العالم شماله قبل جنوبه فلا يد معارضة تلوح ولاكلمة حق تخال ناهيك عن أن تقال.
7
أين مظاهرات طلاب جامعة كنت وبحارة الكارديف وعمال مانشستر ببريطانيا وطلاب جامعة السوربون بباريس إبان الثورات العربية في مواجهة الاستعمار بمصر والجزائر وسوريا والعراق ولبنان, أين مظاهرات الطلاب والعمال والأهالي بكالفورنيا وأوريجن وواشنطن وميامي ونيويورك ولندن وبالهايد بارك والسنترال بارك وفي وول ستريت والجادة الخامسة.. ومن وجدة إلى طهران لإيقاف الحرب الأمريكية على كمبوديا وفيتنام. أين وقفة نجوم الفن والفلاسفة والموسيقين والكتاب والناشطين والحقوقين والأكاديمين والرياضين لكل حقب المقاومة السابقة في المواجهة بين رفة الحرية والمارينيز, أين معارضو حرب فيتنام والتسلح النووي على إطلاقه وقمع دول الشمال لشعوب الجنوب من أمثال تووم كورنيل وودي الن وجين فوندا وفينيسيا ردجريف,سيزر شافيز ورامسي كلارك, اليوت دوكمان ودورثي ديه,رنيه ديفيس, وعميد المنضمين للعد محمد علي كلاي , هيدي إبيس ,مارثن لوثر كنج وعلى كلاي, جون لينون, نورمان ميلر, سارتر , آن جيراردو , روجيه جارودي, أحمد إقبال, غيزبيل اللندي, سميح فرصون و إدورد سعيد؟؟؟؟
هل وقد غادر عدد كبير منهم هذه الأرض ذهبت تلك القيم الإنسانية السامية في مقاومة الحروب ومناصرة حقوق الشعوب أياً كانت في الكرامة والاستقلال معهم. ومع أن غيابهم لم يشطب أسماءهم وسواهم من دفتر تواريخ مقاومة الشعوب ,فإن المفارقة أن نسأل اليوم تجاه التجاهل العالمي المريب على مستوى شعوب العالم الغربي وأمريكا وعلى مستوى مؤسسات مجتمعهم المدني أين ذهبت المواقف المبدأية والقيم النبيلة إزاء هذه الحروب الطاحنة التي تأكل بنيرانها التركيبة السكانية لهذه المنطقة بمختلف فئاتهم العمرية وخاصة الأطفال.
8
لا شك أن خلط الأوراق وتهمة الإرهاب الموجهة للمنطقة وأفعاله الإجرامية المشينة باسم داعش وسواها من قوى التطرف المتأسلم قد لعب دورا في إخراج أشباح المكارثية من تاريخ العداء الأمريكي السوفيتي وإطلاقها بأنفاسها الترويعية اللزجة خلف شعوب العالم بل ومثقفيها ومنظماتها الحقوقية أيضا ولكن إلى متى يستطيع الإنسان أن يعيش ملاحقا بأشباح الخوف.. ذلك هو السؤال.
وربما لمحاولة فهم سؤال التعالق بين حالة الرهاب العالمية من الإرهاب وبين محاق المنطقة والحروب المفتوحة بها وفيها وعليها نعرض ماكتب يوم 26 من هذا الشهر بالنيورك تايمز عن السعوديين والتطرف في مقال الأسبوع القادم.
9
لا أدري كيف يعود هتلر إلى الحياة فيجد أنه لم يمت وأن الموتى نحن والعالم بقاراته السبع منذ مطلع القرن الواحد والعشرين, فإما قاتل أوقتيل في عداد الأموات , أما هو هتلر شخصيا وهولاكو وجنكيز خان وصدام حسين وبوش الإبن ونيرون وشارون والسيسي وبن جوريون والسادات وجولدا مائير وموسليني وستالين فلا يزالون أحياء يتناولون وجباتهم الثلاث من لحوم الأطفال والمدنيين العزل رجالاونساء على مائدة العشاء غير الأخير الممدودة على أرض العرب صبحا ومساء.
10
نحن لا نصافح أيدي ملطخة بالدماء
أما مالا أستطيع السكوت عنه رغم أني كنت قد انتهيت من كتابة هذا المقال فهو ذلك الطرح المختل الخائن الذي (نمى لعلمي الآن) مما يحاول أن يوهمنا أن الحل للخلاص من تبعة حروب المنطقة أن نتعامل مع عدوان النظام الإيراني الطائفي على المنطقة كعدو مذهبي وقومي ونتعامل مع العدو الإسرائيلي كحمامة سلام. فأي عمى سياسي وخلل ضميري بأن ننادي بمصافحة الأعداء بزعم التخلص من عداء ويدي كل منهما لاتزال تقطر بدماء كما يقول امل دنقل لن تصير ماء.