غسان محمد علوان
قبل أيام قليلة، أهداني أحد المغرّدين - والذي جمعنا نقاش سابق عن الخصخصة بشكل عام- مقالاً للدكتور بدر الديحاني نشر في جريدة الجريدة قبل أقل من عام بقليل بعنوان: (الأندية الرياضية.. إصلاح لا خصخصة). وتطرق الدكتور خلاله لنقاط جديرة بالتقدير والتمعن، وكيف أن غياب الإصلاح عن أي منظومة يجعلها أشبه بالمشلولة، وغير القادرة على تحقيق طموحاتها وشعاراتها التي تتبناها. وأن الفساد بشتى أنواعه (المالي - الإداري - العملي) لا يطول الجهات الحكومية أو القطاعات المجتمعية وحدها، بل إن القطاع الخاص أيضاً يطوله الفساد بطرق مختلفة. كل ما ذكره الدكتور أتفق معه جملةً وتفصيلاً، وإن كنت أختلف معه في نقطة واحدة، وهي جعل الخصخصة بديلاً للإصلاح أو العكس. شئنا أم أبينا فإن الروادع الحقيقية التي تمنع الفساد دينية أو أخلاقية أو مجتمعية تتفاوت من شخصٍ لآخر، ويظل الرادع الأقوى (للأسف) هو الخوف من الخسارة المادية. ففي مجتمعات عدة، يُرى الدعم الحكومي لمنظومة ما أو نشاط ما، كهبة خرجت من ميزانية الدولة، ويجب صرفها لآخر قطرة وإن لم تصرف في مكانها الصحيح، أو لإتقان العمل كما يجب. فتأتي المشاريع العظمى تباعاً، وترصد لها الميزانيات العظيمة بكل كرم، ثم نرى على أرض الواقع ما يروي ظمأ المسمى، ولا يفي بحاجة المستفيد الأول من تخصيص مثل هذا المشروع. ولنا في المشاريع الرياضية المتعسرة في كل منطقة من بلدنا الحبيب، خير مثال وأعجب شاهد. أما في حال الخصخصة (من وجهة نظر شخصية)، سينقلب الحال رأساً على عقب، بسبب تغيّر حال الرقيب. فقد تم استبدال الموظف الذي يريد إنجاز مهمته التي كلّف فيها بغض النظر عن نتيجتها، بمستثمر يريد أن يرى على أرض الواقع ذلك الريال الذي صرفه فيما أُنفق، وكيف سيرجع إليه بمربح أكبر. تلك النظرة القريبة الحريصة، ستحد كثيراً من الهدر المالي الذي لا طائل له، والذي يكمن في حقيقة الأمر في صيانة ما يفترض أن يبقى لعشرة سنين، خلال أقل من عشرة أسابيع. فعلى الرغم من أن الميزانيات قد رصدت لتضاهي أعلى مقاييس الجودة، فنرى المنتج هشاً، ضعيفاً، متطلباً لما هو أكثر من مبلغ التأسيس ابتداءً. أما المخاوف التي طرحها الدكتور الديحاني عن الاحتكار للنشاط الرياضي من القطاع الخاص، فهي وإن كانت مشروعة، إلا أنها مقاربة للموضوع من زاوية واحدة فقط. فالاستثمار في الرياضة أو الخصخصة لن تكون مجرد رفع ليد الدولة عن القطاع الشبابي ليفعبه القطاع الخاص ما يشاء. فالمستثمرون سيبحثون عن مواطن الربح فقط في بداية الأمر، وسيتجهون للأندية المحترفة القابلة للتحول لشركات ربحية حقيقية. وهذه المنافسات أو النشاطات الرياضية هي التي تستهلك ما يقارب الميزانيات التي ترصدها الدولة في واقع الأمر. فإن تولى القطاع الخاص (المستثمرون) الصرف الباحث عن الربح، فسيتسنى للدولة توجيه ميزانياتها للصرف على المناشط الأخرى غير الربحية والتي تُعنى بالهواة دون البحث عن عوائد مادية مباشرة والتي قد تتحصّل أيضاً عن طريق القطاع الخاص من منظور المسؤولية المجتمعية.
فلنتخيل جميعاً كيف سيكون حال الرياضة للهواة لو تم تحويل تلك المبالغ الهائلة التي تصرف على الأندية القابلة للخصخصة، ليتم صرفها على ملاعب الأحياء، وإنشاء صالات مناسبة لممارسة ألعاب مختلفة بجانب كرة القدم، بل إحضار مدربين ومشرفين على هؤلاء الهواة ليتمكنوا في يوم من الأيام من الالتحاق بركب المحترفين أو تحقيق أحلامنا الخجلى في تحقيق ميداليات أولمبية.
لنتخيل جميعاً لو تم صرف المبالغ على الرياضة المدرسية والجامعية، وتم استقطاب المدربين القادرين على تمييز الموهبة المدفونة في النشء في سنها الأمثل، بدلاً من محاولة تداركها بعد فوات الأوان.
لنتخيل جميعاً لو قامت هيئة الرياضة بإنشاء جامعة أو كلية رياضية حقيقية، يتم فيها تدريس جميع التخصصات الرياضية العملية أو الإدارية. بشهادات بكالوريوس وماجستير ودكتوراه، على أيدي دكاترة و محاضرين بمستوى عالٍ جداً. باستنساخ المناهج الموجودة في العديد من دول العالم، وتقديمها للشغوفين بالرياضة والحالمين بتحويلها لصناعة حقيقية.
صدق الدكتور الديحاني فيما ذهب إليه، فلا نجاح دون إصلاح، ولا نتائج ترجى من آلة بليت تروسها. ولكن الإصلاح لم يكن عائقاً إطلاقاً في وجه الخطوات الأكثر نضجاً، بل هو داعمها الأول، وسبيلها الأوحد لتحقيق النتائج المرجوة.
لذلك نقول، أصلحوا وانطلقوا. فقد مللنا تعداد إنجازات غيرنا، فهل سمحتم لنا بالتغني بإنجازاتنا؟
خاتمة
كثير من الفشل في الحياة جاء لأشخاص توقفوا، عندما لم يعلموا كم كانوا قريبين من النجاح.
(توماس إديسون)