الملكُ عبدالعزيزِ بن عبدالرحمن الفيصل مؤسسُ هذا الكيان الشامخ ضرب قصة عظيمة في سبيل ملحمةٍ فريدةٍ هي إشاعة الأمن والرخاء والإخاء والاستقرار، ونشر العلم ورسم أروع الأمثلة في قوة الإيمان والحكمة وكثير من المزايا والمناقب التي جعلت منه قائداً متميزاً اتصف بعبقرية في القيادة، وخصوصية في الثوابت الإسلامية، وصدقاً في حب الوطن، وتطوره وازدهاره.
الملك عبدالعزيز مؤسس هذا الكيان (المملكة العربية السعودية) هو الذي نشر الوطنية الصادقة، والترابط الأخوي العريق. وما هذا الأمن والطمأنينة التي تعيشها بلادنا إلا بقيام شرع الله الذي هو الحصن الحصين والسراج المنير للحفاظ على صلاح المجتمع وتطور الوطن الذي يفخر به الجميع ويعيش فيه القريب والغريب في تآخٍ ومحبة ترمز للكفاح والانطلاق نحو الإنجاز بمجد تليد وتاريخ صادق.
ولقد ألهمت شخصية الملك عبدالعزيز الشعراء والأدباء والكتَّاب والباحثين والمؤرخين بالكثير من الأهداف والمعاني السامية، والمثل الرفيعة فعددوا مناقبه ورسموا طريق عدله وبذله ونبلهِ ومجده:
وليسَ يبني العُلا إلا ندًى ووغًى
هما المعارجُ للأَسْنَى من الرُّتَبِ
ومُشمَعِلٌّ أخو عزْمٍ يُشيّعُهُ
قلبٌ صرومٌ إذا ماهمَّ لم يهَبِ
للهِ طلاَّبُ أوْتارٍ أعدَّ لها
سيْراً حثيثاً بعزمٍ غير مؤْتَشِبِ
ذاك الإِمامُ الذي كانتْ عزائمُهُ
تسمو به فوقَ هامِ النَّسْرِ والقُطُبِ
ويوضح هذا التطور والازدهار دور العبقري الذي منح العزة والكرامة لأبناء هذا الوطن الشامخ.
ولعل من اهتماماته حبه للعلم والعلماء والبارزين في مجال الثقافة، والمؤلفين ومتابعته لما يستجد من مشروعات ثقافية، وكتب أدبية ودراسات لملتقيات واجتهادات الكثير من أدباء المنطقة.
والوثيقة المرفقة هي رسالة من الملك عبدالعزيز تبين موهبته النقدية واقتداره العلمي فهو ناقد أدبي، وباحث في اللغة العربية،ومرشد في دليل تسلسل الأفكار، وصحيح العبارات.
يقول في خطابه لمؤلف كتاب مجاري الهداية راشد بن فاضل آل بن علي بعد أن أهداهُ إليه: وأما الذي نفتقده في هذا الكتاب فهو عدم إعطائه قسطه من متانة اللفظ العربي ووجود عبارات ركيكة فيه قد تشين سمعته من حيث اللغة. وطالب المؤلف بمقدمة يشرح فيها كيفية الطرق التي يستخدمها العرب لاستخراج اللآلئ وأوقات استخراجها وما شاكل ذلك.
كما انتقد دقة الوصف والمقدمة والحاشية وعنوان الكتاب يقول:
وحسناً لو عنونتم الكتاب بـ(الدليل البحري) بدلا من مجاري الهداية؛ وعلى كل لا يسعنا إلا أن نعد عملكم دليلاً على رجولتكم.
نص الوثيقة:
من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى حضرة الأخ المكرم راشد بن فاضل آل بن علي دام محروساً أخذنا مؤلفكم كتاب (مجاري الهداية) وتصفحناه معجبين بهمتكم واقتداركم ومقدرينها حق التقدير.
وحقاً إن الكتاب جاء في إبان الحاجة إليه إذ لا نتذكر أن أحداً سبقكم في طبع كتاب على شاكلته وأما الذي ننتقده من هذا الكتاب فهو عدم إعطائه قسطه من متانة اللفظ العربي، ووجود بعض عبارات ركيكة فيه قد تسيء سمعته، فمن حيث اللغة أظنكم ما أتعبتم ذاكرتكم كثيراً وهذا غلط ينبغي لكم ملافاته في المستقبل وكذا لا نرى فائدة ما من بعض الجمل التي جعلتموها في حاشية كتابكم والتي نظن أن سيتكرر ذكرها في الطبعة الجديدة إذ الغاية منه إرشاد المسافرين في البحرين وعلى هذه القاعدة وحدها ينبغي أن يدور موضوع الكتاب. ونود لو أنكم جعلتم لكتابكم مقدمة بينتم فيها كيفية الطرق التي يستخدمها العرب لاستخراج اللآلئ وأوقات استخراجها وما شاكل ذلك؛ وحسناً لو عنْونتم الكتاب بـ(لدليل البحري) بدلاً عن (مجاري الهداية). وعلى كلٍ لا يسعنا إلا أن نعد عملكم كدليل على رجولتكم، ونتمنى لو تبارى أرباب الفن من رعيتنا في هذا المضمار لإتقان هذه الصناعة التي نأمل أنهم يسبقون أهل الخليج عليها وفي ذلك ما فيه الفخر الكبير، وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والبركة... ودمتم محروسين.
** ** **
- تاريخ الوثيقة 20 رمضان 1341
- الأبيات من قصيدة (العز والمجد) لمحمد بن عبدالله بن عثيمين (1270 -1363)
- المؤلف راشد بن فاضل ولد عام 1296في الحد(المحرق) وتوفي عام 1389 في دارين بالمنطقة الشرقية بعد أن انتقل إليها مع أسرته وعاش في البحرين وقطر والسعودية.
له كتاب (مجموع الفضائل في النسب وتاريخ القبائل) وكتاب (مجاري الهداية).
كما أن له شعرا فصيحا في المدح اختص به الملك عبدالعزيز والأمراء سلمان بن حمد آل ثاني وغيره).
... ... ...
- عبدالله بن سعد الحضبي السبيعي
Alhudbe@hotmail.com