إن النية هي قائد فاعل ومتفاعل مع كل خطوط حياتك الجميلة والأقل جمالا؛ نعم وبكل تفاصيلها وفي كل مجالاتك؛ العبادية والمالية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية. إن النية في العمق هي من تقوم بهندسة أحداث حياتك. وما النية إلا مجموعة مقاصد تتحرك طاقة القلب وتعزم على تحقيقها إنها في تصوري تحول وتحويل من طاقة إلى طاقة؛ أي من طاقة وجودها في القلب بشكل غير مرئي إلى طاقة وجودها في العالم المرئي متجسدة تُرى رأي العين. أما كيفية تشكُّلِ قوتها وتأثيرها إلى هذا الحد والمستوى فهو أمر مجهول تماما وغاية ما نعرفه أن لها تأثيراً وقوة لا يمكن لأحد أن ينكره. ويقول المفكر الروسي فاديم زيلاند بأن النية هي قرار بالامتلاك والفعل وهذا يجعلها تختلف بشكل كلي عن الرغبات التي هي تكون في إطار الأماني والتي هي على حد تعبير الإمام ابن القيم رؤوس أموال المفاليس والسبب أنه لا يتبعها خطة عمل, وها هو الدكتور مصطفى محمود يقول: إن مفتاح لغز القضاء والقدر؛ أن على العبد النية وعلى الله التمكين؛ إنْ خيراً بخير وإنْ شراً بشرٍّ. وهنا ثمة أسئلة؛ هل نحن على وعي كاف بنوايانا!!؟ فاتجاهاتها إلى أين!؟ هل هي سماوية أم أرضية؟ وأين تتكاثف؛ أفي الأعمال الصالحة أم الفاسدة؟ إن الأمر ليس تعقيدا بقدر ما هو نبش في تربة الوعي، ألم يقل سيدي محمد صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) - واللفظ لمسلم-, إننا نريد بالضبط معرفة ما في القلب وهل في القلب إلاَّ النوايا!! يقول محمد صادق المنفلوطي: فإنّ الله لا يُعامل إلا بالنية ولا يُكتب في سجل الحسنات إلا الأرقام القلبية. ولذلك نحن نساوي بالضبط قيمة نوايانا فإن كانت النوايا عالية وجميلة ومليئة بالحبِّ والسلام فثق بأن قيمتك ستكون عالية وأن الأمر سيثمر في واقعك بهجة وفرحاً وبركة وصلاح بال في كلِّ ما أنت على علاقة به من مال وأعمال وزوجة وأولاد، وإن كان مجموع نوايانا منخفضاً ومليئاً بالشر والحسد والحقد والتعصب والانغلاق والتكبر والتشاوف كان ذلك يساوي أيضا قيمتنا، إنها مسألة تبادلية فاختر لنفسك ما تريد وضع نفسك في الموضع الذي تعتقد بأنه يصلح لها. ولأهمية وقوة النوايا نجد سيدي محمد عليه الصلاة والسلام يؤسس لذلك تأسيساً عميقاًَ في ذاكرة الوعي البشري فيقول: (إنما الدنيا لأربعة: رجل آتاه الله علماً ومالاً فهو يعمل به بطاعة الله). فقال رجل: لو أنَّي مثل فلان لعملت بعمله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهما في الأجر سواء). ولذلك يسمِّي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الحديث بحديث النيات، ويرى الدكتور علي منصور كيالي بأن قول الله تعالى في سورة الملك {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}سورة الملك (13) قال ذات الصدور: هي النيات. وهي إشارة بليغة ودقيقة منه. ومرة أخرى يبين لنا سيدي محمد صلى الله عليه وسلم بأنك تزداد درجة ورفعة بما تنويه فيقول: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة, حتى اللقمة تضعها في فيِّ امرأتك) إنها بالضبط عظمة النيات التي ترفعك إلى حيث لا تتصور. وكما قال الدكتور صلاح الراشد: إنك بمجرد ما تنوي تتحرك لك القوى. بل إنه ولقوة نيتك فإنها يمكن أن تقضي عنك ديونك التي تحملتها فعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تدان. فقيل لها: ما لكِ والدَيْن وليس عندك قضاء؟ فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد كانت له نية في أداء ديْنه إلا كان له من الله عون) فأنا ألتمس ذلك العون. فكلما كانت لديك نية واضحة وإيمان عميق كلما كانت التجليات والازدهار في حياتك عظيما. فتعاهدوا نياتكم فإنما تكونون حيث تكون.