«النجاح إرادة»
هذه العبارة رأيتني أدندن بها وأرددها وأنا أشهد الدورة العاشرة لسوق عكاظ بكافة مناشطه ومعالمه وكثافة حضوره.
لقد غبت السنتين الأخيرتين فلم أحضر دورتيه الثامنة والتاسعة لظروف ارتباطات سابقة، وهذا العام حضرت نسخته العاشرة وكان التطور فوق ما تصورت، سواء بمعالم السوق وجادته وإضافاته المعمارية، أو بحفل افتتاحه بكل ما فيه من تجديد وتميُّز بفقراته وإخراجه، وحضوره الذي جمع أطيافاً من الوطن بكباره وصغاره، وبانسجام تام بين عراقة الماضي وإشراقه الحاضر، واستشراف المستقبل.
السوق وبُعده العربي
«مهرجان سوق عكاظ» الذي ختم دورة جديدة من عمره المديد الحافل.. لم يَعُد مهرجاناً سعودياً، بل أضحى مهرجاناً عربياً بعمقه التراثي وشموليته للشعراء العرب بمشاركاتهم بمناشطه الثقافية، وجوائزه الشعرية.
إنّ خطاب مهرجان «سوق عكاظ» يتميز بأنه لم يَعُد خطاباً يحيي الماضي فقط، ولكنه خطاب يتماهى مع العصور بتناغم عذب بينها. لقد راهن الأمير «خالد الفيصل» على هذا المهرجان في الوقت الذي توقع البعض أن يكون مهرجاناً نمطياً كبقية المهرجانات، ولكن هذا الرجل ومعه «فريق عمله العكاظي» لم يكن هذا الخيار وارداً في «أجندته»، فهو بطبعه لا يحب المركز الثاني، وقد تحقق الكثير مما هدف إليه وسعى لأجله، فالمهرجان أضحى أيقونة ثقافية وتراثية رغم حداثة إطلالته المعاصرة.
من أين جاء تميُّز مهرجان السوق؟
هذا المهرجان السعودي العربي يجيء تميزه برمزية موقعه و «جاداته» بكل ما بها وما فيها من مبانٍ ومعالم وحضور وبرنامج ثقافي ، وناهيكم الاستمتاع برؤية المشهد المكاني المبهر الذي كان عليه عكاظ فضلاً عن معايشة الرموز الشعرية التي أسسته وسماع قصائدهم، بذات المكان وتذكر رواده قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، بدأ بكبيرهم «امرئ القيس» ومروراً بالحكيم «زهير بن أبي سلمى» و «النابغة الذبياني»، وختاماً بالسيدة «الخنساء» التي أوجعت القلوب ببكائها ووفائها لأخيها «صخر» الذي تأتمّ الهداة به.
تميُّز رغم كل الصعوبات
لا يدرك مسؤولية ومشاق ونصب من ينظم مهرجاناً ثقافياً كبيراً وتراثياً، سواء من نواحي» الإعداد له» أو تهيئة تجهيزاته، أو دعواته أو تنظيم زيارته أو برنامجه الثقافي.. لا يدرك ذلك إلا من جرب المشاركة في تنظيم مثل هذه الملتقيات والمهرجانات.
و»سوق عكاظ» تفوق مصاعبه غيره من المناسبات الثقافية والتراثية، ذلك أنه في مكان يحتاج إلى إعداد كل شيء فيه بكل دورة، فهو في أرض لا يوجد فيها قاعات جاهزة وبُنى تحتية، لهذا يلزم تجهيزها وتهيئتها كل عام. ولأنه صار من أكبر المناسبات الثقافية التراثية داخلياً وعربياً، ويُدعى له حشد كبير من المثقفين والقائمين عليه هاجسهم التجديد بكل دورة والنأي به عن النمطية.
برنامج ثقافي ناجح تنوُّعاً وجذباً
أتوقف عن «برنامجه الثقافي» الناجح وإعداد برنامج ثقافي بحد ذاته ليس أمراً سهلاً سواء باختيار موضوعاته، أو اختيار المشاركين فيه ولا يعرف ذلك إلاّ من قدِّر له المشاركة في إعداد مثل هذه البرامج ولا أزال أذكر عندما شاركت في اللجنة الثقافية لمعرض الكتاب الدولي بالرياض لمرتين.. أذكر العنت ونحن نصطفي موضوعات البرنامج ثم العنت باختيار من يشاركون فيها.
من هنا أدرك ما بذله الإخوة القائمون على البرنامج الثقافي بدورته العاشرة بعكاظ وما قبلها سواء من ناحية اختيار فقراته أو اختيار الأسماء التي تتحدث فيه، مع الحرص على منطلق أن تكون الموضوعات موائمة ومتّسقة مع رسالة سوق عكاظ: تراثياً وثقافياً.
مقترح لندوة تتناول
قضية وطنية بكل دورة
بودي لو كانت هناك ندوة تتناول إحدى القضايا التنموية خلال العام الذي يقام فيه السوق، وذلك من أجل أن يكون «السوق العكاظي» حاضراً في قضايا الوطن ولمزيد من متابعة الحضور والمتابعين والتفاعل مع مناشطه، وأضرب مثلاً بإقامة ندوة حول: مسؤولية المواطن في استمرار المنظومة التنموية، أو ندوة حول أحد أهم ما يشكل الرأي لدى الناس حالياً وهو: مواقع التواصل التي أصبح لها الدور الكبير حالياً في تشكُّل الوعي، وتشكيل الرأي لدى الناس فضلاً عن رسالتها بترسيخ الحوار بين أبناء الوطن الذي يوحد ولا يفرق.. لا الجدال الذي يشتت الناس ويؤثر على وحدة الوطن ويقسم الناس ويتقاطع مع استقراره.
عكاظ ملتقى
المثقفين وفضاء حواراتهم
هناك ملمح جميل بهذه المناسبة الثقافية، أنها أضحت أيقونة تراثية ملتقى للمثقفين والمثقفات من السعوديين والخليجين والعرب يتحاورون بفقرات برنامجه ويلتقون بنقاشات تثري الوطن وثقافته، ويتداولون خارجه الحوار حول قضايا وطنهم وأمتهم تحت مظلة التراث والثقافة والانتماء العربي.
وفاء لقادة كانوا وراء
قيام هذا السوق ونجاحه
من باب الوفاء أتحدث هنا عن قادة هذا الوطن الذين كانوا وراء قيام هذا السوق، بدءاً من الملك فيصل - رحمه الله - الذي اهتم به وكلف نخبة من الرواد كالشيخ حمد الجاسر وغيره لتحديد موقعه، ثم الملك عبد الله - رحمه الله - الذي أمر بعودته، ثم الملك سلمان - حفظه الله - الذي كان وراء استمراره ونجاحه، بدعمه وحرصه على أداء رسالته، وقد جسّد اهتمامه - حفظه الله - عبر اتصاله الهاتفي وهو خارج الوطن بالأمير خالد الفيصل دعماً وتشجيعاً وتحفيزاً مبلّغاً تحاياه لحضوره والمشاركين فيه.
تفاعل كبير مع السوق
ودور وسائل الإعلام
سرني هذا العام أن «سوق عكاظ» وصلت رسالته لكل أبناء الوطن وإلى العرب خارجه، ولابد هنا من تقدير وتثمين ما قامت به وسائل الإعلام السعودية من مقروءة ومرئية ومسموعة، فضلاً عن قنوات مجموعة من mbc من جهود كبيرة في تغطياتها اليومية، وبث الحوارات المتنوعة مع المشاركين فيه مما جعل أبناء الوطن والخليج تحديداً يعيشون في سوق عكاظ ويتابعون مناشطه، وقد كان للجنة الإعلامية بالمهرجان برئاسة أ/ عبد الله الحسني وجهود زملائه دور كبير بالتواصل مع وسائل الإعلام وتوفير التسهيلات والمعلومات الإعلامية لهم.
باقة امتنان لكلِّ من أعطى لتميّز «عكاظ» المعاصر
بقي أخيراً أن أزجي تحية من باب القول للمحسن أحسنت لكل عمل، ليتحول سوق عكاظ من حلم يداعب العقول إلى واقع يراه الناس ويعيشونه بدءاً من الأمير خالد الفيصل أمير الإصرار والنجاح في كل عمل وطني أو ثقافي يتبنّاه، ومعه كفاءات وطنية متفانية في مقدمتها معالي العزيز العامل بصمت د/ سعد مارق أمين عام اللجنة الإشرافية، بما يحمله من وطنية ورؤية ثقافية وإعلامية، فضلاً عن جميل خلقه وتعامله، ومعالي محافظ الطائف الذي عمل لتكون الطائف مهيأة لهذا السوق وأعماله، ثم العزيز د. جريدي المنصوري أمين عام سوق عكاظ الذي أعطى مع زملائه صادق الجهد تحمل في أمانة السوق في الإعداد لبرنامجه الثقافي المتميز، وختاماً باقة تقدير واعتزاز لهذه الكفاءات الوطنية التي تتوقد نشاطاً وعطاء في كافة اللجان والأعمال فهم يعطون أنصع الصور للمواطن السعودي، عندما يمنح الثقة ويحظى بالتحفيز ويجد القدوة بالعطاء. أخيراً أشير لشريك إمارة منطقة مكة المكرمة في إقامة هذا السوق، ألا وهو الهيئة العامة للسياحة برئاسة سمو الأمير «الدينمو» سلطان بن سلمان، وأشير أخيراً لوزارة الثقافة والإعلام ومعالي وزيرها الذي حضر وشارك في البرنامج الثقافي.