عمر إبراهيم الرشيد
يروى عن السموأل بن عادياء الشاعر العربي القديم ورمز الوفاء والإباء، أن امرأة عيّرته بأنه من قبيلة قليلة العدد، فردّ عليها ببيت صار مثلاً إلى يومنا هذا إذ قال:
تُعيرُنا أنّا قليلٌ عديدنا
فقلتُ لها إنّ الكرام قليل
وهذا ما يسمّى في البرمجة اللغوية الحديثة بإعادة التأطير، أي قلب الصفة السلبية في نظر الناقد إلى إيجابية. تطرّقت في مقالي السابق إلى الضجة التي أثارها الروائي يوسف زيدان حين تعرض لوسط الجزيرة العربية بالانتقاص المتوهم، واصفاً هذه البيئة بأنها بعيدة عن الحضارة ولم تسهم في اللغة والتراث العربي!. في رأيي أنّ هذا التعريض بمهد العربية والمعلقات وفحول الشعراء واللغة الصافية، قد أتى بنتائج لا أظن بأنّ زيدان يتمناها، فقد هبّ أبناء الجزيرة لاستعراض الإسهامات التاريخية لأجدادهم لغوياً وفكرياً وثقافياً. أما يوسف زيدان فلا يمثل إلا نفسه أو من هم على شاكلته، إنما أرض الكنانة وشعبها المعطاء الذي أنتج رواد النهضة العربية الحديثة ورموز الثقافة والفن والعلم فلا يقبل مثل هذا التطاول. كما أنه لا يقبل ممن يريد الرد على هذا التطاول بمثله والتعريض بأي شعب أو بلد عربي بعقلية التعميم السقيمة، والانفعال والتشنج لا يأتيان برد علمي وموضوعي رزين.
من الردود الرزينة ما قاله الدكتور عيد اليحيى بأنّ اللوم يقع في معظمه علينا، لأننا لم نوصل تاريخنا وتراثنا وما تزخر به جزيرتنا العربية من مواقع وآثار إلى الآخرين، وهذه هي الفلسفة التي يقوم عليها برنامجه الرصين الذي حاز على متابعة الملايين عبر الوطن العربي (على خطى العرب)، والذي حقيقة يُعَد مفخرة لكل سعودي وعربي يعي معنى العروبة بل وكل مسلم. تلك المواقع المرتبطة بالتاريخ والأدب والتراث العربي والاجتماعي لسكان الجزيرة العربية على امتداد تاريخها تُعَد ثروة ثقافية وسياحية واقتصادية، لو تم استغلالها لظهر هذا الرصيد الحضاري للعالم قاطبة، وشكّل ثقلاً ومورداً إضافياً للمملكة عظيماً، لنأمل ذلك.