عبدالعزيز السماري
لا يمكن تجاوز حقيقة التغيير الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الملحوظ في المجتمع، ولو كان في الإمكان أن يعود إنسان ما إلى الماضي في الحقب الزمنية المتوالية لإدرك أن الإنسان بالفعل كائن متغير ومتطور، وأن خطابه الثقافي يتغير بتطور أحواله وأفكاره وعقله..
لهذا استغرب كثيرًا أن يخرج من حين إلى آخر وعظ لا يتفق مع الحالة الاجتماعية والثقافية المعاصرة، كان آخرها ما تداولته الوسائل الاجتماعية لواعظ عن المكانة التشريعية للمرأة، وأنها أشبه بالرقيق أو الأسير الذي يعمل مقابل مهر تم دفعه مقدمًا، وأن الرجل يعد بمنزلة المالك لها.
يبدو أن الداعية يعيش في زمن آخر، ولو بحث قليلاً في قاموس المتغير الاجتماعي لأدرك أننا نواجه الآن معضلة كبيرة، وهي استغلال بعض النساء لهذا الاجتهاد للتهرب من المسؤولية الاجتماعية في حياتها الزوجية، فهي تعمل، وربما تكسب أكثر بكثير من زوجها، ولكنها ترفض أن تشاركه في المسؤولية لحجة قوامة الرجل.
وربما تعود كثير من حالات الطلاق في المجتمع إلى صعوبة تكفل الرجل بالمسؤوليات الاجتماعية والاقتصادية في الحياة الزوجية، وإلى رفض المرأة المشاركة برغم من تطورها وكسبها المادي، لسبب أن التشريع التقليدي يخرجها تمامًا من المسؤولية، ويجعلها في وضع الرقيقة أو الأسيرة التي لا تتحمل أي مسؤولية.
من خلال هذ المتغير الاجتماعي الكبير نحتاج إلى خطاب ثقافي واجتهاد تشريعي يعيد قراءة المسؤولية في الحياة الزوجية، مع التأكيد على حفظ الحقوق بينهما، وذلك من أجل ألا يستغل أحدهما الآخر، أو أن تهدر حقوقه في المستقبل لو حدث انفصال أو طلاق..
سيكون الحل الآخر أشبه برابع المستحيلات، وهي أن نعيد المرأة إلى وعيها القديم في أن تقبل أن تكون أقرب للرقيقة أو الأسيرة التي يملكها الرجل بصك شرعي، والمرأة بسبب التعليم العالي خرجت عن طور العبودية أو الرق إلى طور آخر، يجعلها في وضع اجتماعي أقرب في المسؤولية للرجل، وبناء عليه يجب إعادة قراءة المتغير الاجتماعي ثم وضع التشريعات المناسبة له، ولعصره.
ينطبق ذلك على أمور كثيرة، فالوعي ينقل الإنسان من مرحلة إلى أخرى، ومع مرور الزمن وتطور المعرفة وتقدم العلم تحدث المتغيرات الكبرى في المجتمع، وعلى الجميع إدراك ذلك، وإذا لم تواكب السلطة أيًا كان موقعها ذلك، يحدث التمرد الثقافي، وتكون له تبعات وآثار..
من الطبيعي ألا يواكب خطاب الوعظ الديني المتغيرات الكبرى في المجتمع، فهو يقوم دائمًا بدور المكابح في المجتمع، وإن كان الدين الحنيف في أصوله السامية يخالف ذلك، والسبب أن الوعظ الديني تحول إلى أشبه بالمؤسسة التي تريد دائمًا أن تحمي مكتسباتها الاجتماعية والاقتصادية من خلال كبح عجلة التغيير..
لا أخفي عليكم أنني في بعض الأحيان أتمنى نجاحهم في إيقاف العجلة في بعض الأمور، فالتطور المتسارع أوصل بعض الأمور إلى حافة الهاوية، لكنهم لا يستطيعوا إلا إذا أسهموا بفعالية في تقديم الحلول الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة للأجيال القادمة بدلاً من كبح جماحها بخطاب تقليدي، لم يعد له تأثير على عقول الشباب المتطورة جدًا..