د.عبد الرحمن الحبيب
إذا قررت التمتع بإجازتك في بلد ما، ما هي المعايير من ناحية السلامة التي تأخذها في الحسبان في البلدان التي تتعرض لهجمات إرهابية في الآونة الأخيرة مثل فرنسا وتركيا ومصر؟ أم أنك لا تعير هذه المخاوف اهتماماً بالغاً باعتبارها حالة ذهنية نفسية؟
يقول الخبراء: إن البلد الذي يضربه الإرهاب صار يعود نموه السياحي لطبيعته بسرعة أكبر وأن تأثيره في الناس صار يتناقص. الهجمات على نيويورك في 11 سبتمير 2001 تطلبت ثلاث سنوات لعودة النمو السياحي إلى طبيعته في تلك المدينة، لكنه أخذ نحو سنة واحدة بعد هجمات مدريد عام 2004، وتسعة أشهر فقط بعد هجمات لندن 2005، وتقلص إلى نحو ثلاثة أشهر بعد هجمات باريس نوفمبر 2015، إذ تراجعت الرحلات العادية بنسبة 5.8 % في العاصمة لكنها ارتفعت 1 % في المدن الفرنسية الأخرى.
عندما يضرب الإرهابيون موقعا مدنياً مسالماً في بلد معين فهم يهدفون أساساً من جملة أهداف إلى هز الاقتصاد الوطني للدول السياحية التي تعد السياحة بها جزءاً مهماً من اقتصادياتها. ربما هذا يفسر جزئياً لماذا فرنسا هي أكثر بلد غربي تعرضت لهجمات إرهابية، فهي أكبر بلد في العالم يستقبل سياحاً أجانب بنحو 84 مليون سائح عام 2015.. وتشكل السياحة 7 % من الناتج القومي موفرة 2 مليون وظيفة عمل.. وكانت الهجمة الإرهابية الأخيرة على فرنسا (يوليه 2016) قصدت نيس ذات السمعة العالمية الشهيرة سياحياً..
وإذا كان تأثير الإرهاب في السياحة يتراجع ويتحول إلى تأثير ضعيف ومؤقت (بضعة أسابيع)، فإن ذلك يختلف بين البلدان باختلاف إجراءات السلامة ودرجة الاستقرار السياسي فيها، إذ تستغرق وقتاً أطول للتعافي في دول مثل تركيا ومصر مقارنة بالدول الأوروبية، حسب تقرير المجلس العالمي للسياحة (مارس 2016). تركيا التي تعد سادس وجهة سياحية عالمية تراجع فيها عدد السياح الأجانب بنسبة 20 % منذ بداية عام 2016. أما تونس وهي أيضاً وجهة سياحية للأوروبيين، فهبط فيها 30 % في 2015 مقارنة بـ2014، وفي مصر هوى فيها إلى 37 % عام 2015 مقارنة بعام 2010 (تقرير فرانس 24).
على المستوى العالمي لم يؤثر الإرهاب في السياحة بل إنها نمت، إذ وصل النمو السياحي إلى 3.5 % عالميا لعام 2016؛ كذلك ارتفع استقبال الفنادق بنسبة 1 % في الثلث الأول من 2016 مقارنة بعام 2015، حسب التقرير الأخير. إذن، وفقاً للإحصاءات يبدو أن أثر الإرهاب في السياحة أصبح ضئيلاً في البلدان المستقرة سياسياً وذات إجراءات السلامة الصارمة، رغم أنه لا يزال بالسلب نسبياً على العائدات الاقتصادية لقطاعات السياحة فيها، لكنه ليس العامل الأساسي.
فما هو العامل الأساسي؟ تقرير المجلس العالمي للسياحة يوضح تأثير مختلف الأزمات التي يشهدها العالم على قطاع السياحة، حيث حلل الخبراء عوامل مختلفة منها تفشي الأمراض الخطيرة، والكوارث البيئية، والاضطرابات السياسية، والإرهاب. وأكد التقرير أن تأثير الاضطرابات السياسية على السياحة هو الأشد، حيث إن فترة تعافي سوق السياحة في البلد الذي يتعرض لهزات سياسية تصل إلى 27 شهراً. كما يستغرق تعافي قطاع السياحة في البلد الذي يتعرض لكوارث طبيعية كتسونامي تايلاند عام 2004 مدة طويلة، فلم يتعاف قطاعها السياحي إلا بعد مضي 14 شهراً على التسونامي. وقد حلّ الإرهاب في المرتبة الثالثة كعامل سلبي على السياحة بعد الاضطرابات السياسية والكوارث الطبيعية.
السؤال المهم هو ما السبب في تراجع تأثير الإرهاب؟ لم تظهر دراسات في هذا الشأن لكن يبدو أن انتشار الإرهاب في كل بقعة في العالم جعل تأثيره يتناقص فلم يعد هناك بلد يمكن أن يسلم من توقع الهجمات الإرهابية. أضف إلى ذلك أن الناس ربما بدأت تعتاد نفسياً على أخبار الهجمات الإرهابية كما تعتاد على الحوادث اليومية...
ففي استبيان بموقع روسيا اليوم على سؤال: هل تتوقع تراجع عدد السياح الأجانب الوافدين إلى مصر بعد حادثة الطائرة المخطوفة؟ أجاب 55 % بنعم مقابل 45 % بلا، وهذا رقم متقارب نسبياً، إذا ما أخذنا في الاعتبار الأثر النفسي الهائل الذي كان يخلفه مثل ذلك العمل سابقاً.
أثر الإرهاب يتعدى الخسائر الاقتصادية فهو بالأساس حرب نفسية لخلق الرعب ونزع الثقة في الجهات الأمنية في البلد، بينما احتمال تعرض السائح للخطر يظل ضئيلاً جداً، فعلى سبيل المثال، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن نسبة احتمال قتل سائح غربي نتيجة عمل إرهابي هو واحد من ثلاثة ملايين كل عام، وهو نفس احتمال تعرض أمريكي للموت من قبل إعصار.
عموماً، تشير الأرقام إلى أن السياحة في الدول دائمة الصراع السياسي على المدى الطويل، تعاني أكثر من تلك التي تأثرت بهجمات إرهابية فردية. والفرق بين البلدان في سرعة عودة النمو السياحي إلى طبيعته بعد ضربة إرهابية كبرى، هو درجة الثقة بمدى توفر شروط السلامة والأمن، بعد الاستقرار السياسي كأهم عامل. والآن افتح خريطة الاستقرار السياسي وقرر وجهتك السياحية متجنباً الأمراض الوبائية والأعاصير.. ثم الإرهاب!