إبراهيم عبدالله العمار
غاندي مصاب بالاكتئاب.
غاندي أيضاً رائد المقاومة السلمية.
هل تبدو هاتان العباراتان عَرَضيتان؟ لا، بل هما مرتبطتان. اكتئاب غاندي هو الذي جعله قائداً متميزاً! كيف ذلك؟
هذا ما يقوله عالم النفس الأمريكي ناصر غيمي، الذي حلل في كتابه «جنون من الدرجة الأولى» شخصيات مشاهير وتبيّن له أن المرض النفسي يمكن أن يكون من أقوى الحوافز، وهو الذي صنع بعض أشهر القادة، وبدونه لكانوا أناساً عاديين أو ربما فاشلين.
هل يُعقل هذا؟ نعم، لن تجد الكثير من الأشياء الشريرة شراً خالصاً لا نفع فيه، بل حتى أشياء مثل أمراض الاكتئاب والقلق واضطراب ثنائي القطب وغيرها يمكن أن تكون مثل نفّاثات تيربو التي تطير بك إلى سماء العظمة.
وهذا ما يرى غيمي أنه حصل مع غاندي، ومعظم الناس لا يدرون أن غاندي ممن أصيب بالاكتئاب، أصابته على الأقل 3 نوبات حادة من الاكتئاب، إضافة لهذا كان لديه نوع أخف من الاكتئاب طويل المدى وبعض القلق. في آخر سنتين من عمره خاصة ازدادت حدة الاكتئاب، ولم يُخفِ هذا بل ذكره في خطَبه، حتى إن بعض من حوله ذكر أنه كان يتمنى الموت من شدة الغم، الذي نسبه البعض إلى حزن غاندي من انفصال باكستان عن الهند ليستقل المسلمون عن الهندوس، وكان غاندي يأمل أن يوحد بين المسلمين والهندوس بدون أن تنقسم الهند، وأخفق في هذا. لكن الاكتئاب قديم مع غاندي، وأصابته نوبة اكتئاب في صباه حتى حاول الانتحار وهو مراهق.
السؤال الهام هنا: كيف قوّت هذه المشاكل النفسية غاندي؟ مِن أكثر عناصر الاكتئاب: التشاعُر، ويعني أن تفهم إحساس الآخرين. تستطيع بسهولة أن تتشاعر مع شخص مصاب بالانفلونزا لأنه شيء يصيب الكل، لكن لن تتشاعر مع شخص أصيب بمرض نادر. ستتعاطف معه، لكن لن تتشاعر معه. والمصاب بالاكتئاب غالباً يتشاعر مع الآخرين ويضع نفسه مكانهم ويفهم ما يحسون به، ومن ذلك ما أوصى به غاندي قومه الهندوس أن يتشاعروا مع المنبوذين (الطبقة السفلى في المجتمع الهندوسي)، وأن يعيشوا بوئام مع المسلمين. وهذا مما جعله قائداً ناجحاً وجمعَ الناس حوله خاصة الضعفاء، الذين شعروا أنه يفهمهم بل ويتعاطف معهم.
لكن حَزنَ غاندي حزناً عظيماً في آخر عمره لما رأى فشل تجربة المقاومة السلمية التي حاول تعليمها لبلده. رأى أن الهندوس لما استقلوا عن بريطانيا تحولوا إلى العنف وسارعوا بقتل المسلمين، واشتعلت حرب حصدت أكثر من مليون إنسان. كتب في آخر عمره عن فشل الهند في تَشَرُّب رسالته السلمية، فقال: «كان الناس ينصتون لي لأني أريتهم كيف يقاومون البريطانيين بأيدٍ فارغة لما غاب السلاح، لكن اليوم يُقال لي إن السلمية فاشلة في خضم هذه الفتنة بين المسلمين والهندوس، وأنه لا مفر من أن يتسلح الناس، ولو كان هذا صحيحاً فيجب الاعتراف أن حركتنا السلمية التي دامت 30 سنة قد فشلت تماماً».
في مناسبة دينية ذات عصر، ركع الشاب ناثورام غودسي احتراماً أمام غاندي، ولما انتصب قائماً وإذا في يده مسدس أطلق منه 3 رصاصات قتلت الشيخ الذي شارف الثمانين، فعلها القاتل لأنه متطرف هندوسي رأى أن غاندي تساهلَ (تَشاعرَ؟) مع المسلمين، وانتهت حياة فريدة.