د.ثريا العريض
مثل خليجي بسيط يعني أنّ ما لا تعرفه في خلطة تطبخ أمامك ستراه وتتذوقه حين يخرجه إليك بعد نضجه «الملاس». والملاس هو ملعقة كبيرة للتقديم تغرف الطبخة في صحون الآكلين. وهي طبخة تتأثر أيضاً بالعلاقة بين الإعلام والثقافة السائدة والحالة السياسية, الأثافي الثلاث التي تحمل القدر المجتمعي وما يحويه من مكونات تنتج عنها طبخة الواقع وما يتبقى منها للمستقبل.
كلنا نتطلع إلى مائدة 2030 , والسؤال كيف ستكون؟ مترعة بمذاقات جديدة صحية, أم صحوناً فارغة كما يصر المحبطون؟
وللحق مكونات القدر العربي والخليجي اليوم تحتاج إلى الكثير من التفاؤل.. لتنتج ما يمكن أن يعتبر مكونات نمو مستدام.
ولنعد ما يقارب 100 عام لنرى ماذا طرأ من تداخلات على الطبخة.
حتى ثلاثينات القرن الماضي كانت لمنطقتنا ثقافة المواسم والقوافل, وما يحمله لها التجار من منتجات الجوار. وعرف أجدادنا الأخيار الكثير من التقدير والاحترام لمن تدفعه الهمة وفقر الديار للارتحال بين الأقطار ويعود لاحقاً ليشاركهم الخير من المال والعلم.
الحرب العالمية أدخلت المنطقة في فرنها الحامي مع نمو الوعي الجمعي عربياً في الخمسينات, وخليجياً في الستينات جاءت ثورات التحرر من الاستعمار ومجادلات أفضلية التآخي مع اليمين أو اليسار. ومع انتشار التعليم العام وبعثات التعلُّم , تشرّب بعض الشباب طموحات القومية, وبعضهم مرئيات الشيوعية وشطحات البعثية، كما اعتاد بعض الحكام مذاق حياة الطبقة الإقطاعية الأوروبية. وفي السبعينات جاءت خطط بناء البنى التحتية في الجوار وتحولت المنطقة إلى أرض المشاريع الذهبية التي علّمت المواطنين تقبُّل مبدأ الأنانية. واستنزف الانتهازيون من الداخل والخارج مداخيل الاقتصاد المحلي ملياراً إثر مليار. وفي ترف الثمانينات احتدمت معارك الحداثة والأصالة في نصوص الأدب والأشعار, وامتلأت الشوارع والبيوت بسيل العمالة الوافدة والمستقدمة والمتستّر عليها. وفي التسعينات جاءت تجارة التسلُّق على تضخيم الشعور بالذنب وأغرقنا بمعارك الحلال والتحريم والأوزار. ومع السيطرة على مناهج التعليم والأحلام والأفكار توالد جيل حرم من مكونات المعرفة الطازجة , فنشأ لا يستطيع التفكير المنطقي ولا يملك مهارات العمل اليدوي التي أتقنها وعاش بها أجداده الأخيار في الواحات والجبال وسواحل البحار, وأنشئ على الشعور بالذنب مهما كان الاختيار.
ولم يكن هذا كل ما أخرجه «الملاس» حتى نهاية القرن..
وسأتابع معكم في حوارنا القادم لنرى المستجدات.