يتصدر اليوم الأمير نواف بن محمد المشهد الرياضي في المملكة العربية السعودية بشخصيته الفارهة، وامكاناته القيادية الفذة، وبمعرفته الثرية بقوانين وأسرار الرياضة، وبقربه من الرياضيين، فهو العراب الذي لا يكاد يحدث معضل رياضي الا وتستدعيه الذاكرة الجمعية ليفتي بالقانون ويساهم برأيه في اعادة القطار على القضبان، فقد عرف الأمير باهتمامه بكرة القدم لكن تحولا حقيقيا اتجه به منذ ما يزيد على خمسة وعشرين عاما إلى إدارة ألعاب القوى التي مارسها لاعباً في مقتبل حياته.
الأمير وألعاب القوى
كانت ألعاب القوى العشق الجديد الذي أمسك بتلابيب الأمير العاشق للنجاح فأعطاها من جهده وفكره وماله ووقته وبوحه ما لم يعطه قائد رياضي في منظومتنا الرياضية، فكان متفرداً في عشقه، سخياً في عطائه، قوياً حازماً في قراراته.
لم تكن ألعاب القوى معروفة -إلى حد ما - على خريطة الألعاب الرياضية الوطنية عندما تولى الأمير قيادتها، فقبل التحدي وشمّر عن ساعديه وعقد عهداً على نفسه بأن تكون أم الألعاب في أول اهتماماته وان ينقلها إلى الواجهة الرياضية وان تكون قائدة في التنظيم والإدارة والانجاز، لتصبح من أولويات اهتمامات الشارع الرياضي فكان يقضي معظم ساعات يومه في مكتبه بالمجمع الأولمبي بالرياض، يتابع ويبحث ويخطط، وفي عطلة نهاية الأسبوع يرحل متنقلاً بين المطارات والمدن لتفقد المعسكرات ومراكز التدريب، وأحوال اللاعبين والمدربين والاندية.
الاستراتيجية
لقد وضع هذا القائد لنفسه وللفريق العامل معه استراتيجية للنجاح بملامح علمية طموحة ارتكزت على الآتي:
ثقافة اللعبة
كان من العسير على الأمير وفريقه النّجاح في التأسيس لرياضة ثقافتها ضعيفة وشعبيتها أضعف، ولأن الأمير وجه ثقافي وإعلامي تسعى لاستضافته وسائل الاعلام فقد بدأ مستفيداً من هذه الخاصية في شخصيته واستمر ينشر ثقافة اللعبة متنقلاً بين المدارس والجامعات والأندية والمنتديات والمؤتمرات ووسائط الاعلام، فكان محاوراً مدهشاً، عارفاً بما يسعى اليه، يبث الامل في المحيطين به، يصدر في حديثه عن معرفة أسهمت في الوثوق بطروحاته فكسب التحدي واتسعت مع حركته الماراثونية دائرة الاهتمام باللعبة التي سعى لنشر ثقافتها ولفت النظر لها ولأبطالها في الشارع الرياضي ولدى الإعلام الرياضي وبرزت متلازمة جديدة مفيدة خدمت الغرض فلا يكاد يذكر اسم نواف بن محمد إلا وتذكر العاب القوى والعكس صحيح.
المجال الفني
سعى الأمير وفريقه للانتقال بألعاب القوى إلى العالمية في مجال التدريب وتقنية اللعبة فأُحضر أفضل المدربين العالميين وأقيمت للمنتخبات المعسكرات في الدول المتقدمة خاصة في أوربا وأمريكا لغرض الدخول في المسابقات التي تقام في هذه الدول كجزء من التدريب، وركز الاتحاد في استراتيجيته على الفئات السنية فوضع لكل فئة برنامجاً وهدفاً، وكان يصاحب برامج التدريب متابعة صحية للاعبين فطوَّر الأسلوب الحديث بالعمل في منظومة الاتحاد، وكانت النتائج اللاحقة التي تؤكدها الأرقام ( 1700) ميدالية ملونة محصلة هذا التخطيط.
الشركاء
كان الأمير يدرك أن محاضن التربية هي الصرح الذي يقوم عليه مستقبل اللعبة فسعى إلى عقد شراكة مع وزارة التربية، وطال الانتظار وبقي هذا الحلم يراوده ومع تعاقب خمسة وزراء على كرسي وزارة التربية لم يفقد الأمل مدركاً ان حلمه سيتحقق في يوم ما، وكان يوماً حافلاً وخطوة معتبرة إلى الامام عندما تحققت الشراكة التي نصت موادها على تطوير ألعاب القوى في المدارس وتبني برامج علمية تساهم فيها المدرسة باكتشاف المهارات وتنميتها، وبهذه الشراكة تحقق للأمير وفريقه إنجاز مواكب لرؤية الاتحاد الدولي للعبة.
التّعاون
من الإنجازات التي تسجل للأمير فتحه الباب على مصراعيه لأوجه التّعاون وتبادل الخبرات والتجارب مع المؤسسات والهيئات والاتحادات والاندية في الداخل والخارج في مجال التدريب واستخدام المنشآت وتبادل الثنائية مع الأعضاء في المحافل الدولية التي للاتحاد عضوية فيها لدعم اتخاذ القرارات التي تخدم رؤية المملكة وتقدم تسهيلات لمنتسبي اللعبة داخلياً وخارجياً.
العنصر السعودي
كان القائد ينظر إلى أهمية تواجد العنصر السعودي في التنظيمات والاتحادات الخليجية والعربية والقاريّة والدولية فدعمت استراتيجيته منسوبي الاتحاد للتواجد في مجالس ولجان الاتحادات، العربي، القاري، الدولي حتى يكون صوت المملكة حاضراً في هذه الهيئات المتخصّصة، ومن أبرز هذه النجاحات وصول الأمير نفسه إلى عضوية مجلس الاتحاد الدولي لألعاب القوى في دورته الحالية، وهو مركز للقرار الدولي المهم يخدم أغراض المملكة والعرب.
اللاعبون
لم تكن تقتصر علاقة نواف بن محمد مع اللاعبين ومنتسبي الاتحاد على التواصل داخل مراكز التدريب والمعسكرات بل كوّن أسرية متناغمة داخل الاتحاد فتح لها باب منزله وساهم فيها بوقته وماله في حل مشاكل اللاعبين والكوادر الفنيّة، الاجتماعية والصحية والوظيفية، ولم يكن يفوت مناسبة اجتماعية لأي من منتسبي اتحاده الا تواصل وأدى الواجب الذي تقتضيه المناسبة.
المرحلة القادمة
سيجد من يأتي بعد الرئيس الذهبي نواف بن محمد أن في سلة ألعاب القوى أكثر من (1700) ميدالية ملونة حصدها أبطال اللعبة على مدى سنوات رئاسته للاتحاد من البطولات والدورات العربية والقاريّة والدولية، بل سيجد هذا القادم أن أول بطل سعودي أدخل اسم المملكة في السجل الذهبي الأولمبي جاء من السرب الأنيق، سرب أم الالعاب.
السؤال
جاء حل مجلس الاتحاد السعودي مفاجئاً وبرزت أمامه أسئلة كثيرة لماذا.،؟ ومن المقصود به.؟ وبرز سؤال حقوقي وقانوني أمام معظم القراءات التي تتناول تفسير حل مجلس الاتحاد تتعدى في معظمها ربطها بنتائج ريو 2016 لان اتحاد العاب القوى ليس هو الاتحاد الوحيد الذي لم يحقق نتائج في الاولمبياد بل هناك اتحادات لم تعبر بوابة المجمع الأولمبي بالرياض منذ سنوات.!! إذا لابد أن قرار الحل ناتج عن أمر نجهله..!!
صحيح لم نطلع بعد على نص القرار لكنه لايخرج عن احتمالين:
الاحتمال الأول
يتعلق بالمجلس كوحدة متضامنة قد يكون ثبت للمرجعية ان المصلحة تقتضي حل المجلس والاشكالية في وجه قرار الحل في هذا الاحتمال كون نصف أعضاء المجلس معينين، والنصف الاخر منتخبون، فهل المرجعية هنا للجمعية العمومية للاتحاد،ام لهيئة الرياضة ..؟ والامر هنا غامض لان مانشر على موقع اللجنة الاولمبية السعودية ينسب إصدار قرار الحل إلى سمو الرئيس العام لهيئة الرياضة.
الاحتمال الثاني
ان يكون المستهدف بقرار الحل رأس الهرم أي رئيس الاتحاد نفسه وليس المجلس كمجموعة وفي هذه الحالة يكون القرار متجاوزا إلى غير المقصود به وفيه اهدار لحقوق بقية أعضاء المجلس المحفوظة لهم بنص النظام، فكيف تهدر حقوقهم بالقفز على الانظمة سيفرغ الساحة من التصدي لخدمة النشاط المدني غير الربحي.
التغيير
يبقى شرف الخدمة الوطنية التطوعية في مؤسسات المجتمع المدني غير الربحية مقياسا للحس الوطني والتبادلية في هذا الميدان متتالية وانتقال الراية من يد إلى أخرى سنة الحياة، والحكمة تكمن في أسلوب الانتقال من مرحلة إلى أخرى بما يضمن حفظ الحقوق لكل مرحلة وأشخاصها بحيث تسلم الراية دون احداث شرخ يتجاهل الإنجاز أو يشي بمسحه، أو يتعمد الاساءة لهذا التاريخ، ولأن مجالس الاتحادات أصبحت في حكم المنتهية ولايتها بعد فتح صناديق الانتخابات التي ستفرز غداً أسماء جديدة، فالحكمة هنا تقتضي الانتظار وسيكون قرار التغيير مقبولاً من أي الجهتين جاء سواء من الجهة الرسمية أو برغبة المتطوع نفسه.
- أخيراً نقول وبقناعة غير منقوصة يحق للأمير الرّمز «نواف بن محمد» عراب العاب القوى ومؤسسها الحقيقي في المملكة أن يرفع رأسه وهو يغادر مع فريقه مقر الاتحاد تاركاً خلفه ارثاً وطنياً شامخاً قوياً اسمه «الاتحاد السعودي لالعاب القوى» بنظامه بكوادره .. شبابه .. بخبراته .. بعلاقاته. نعم .. سيغادر نواف بن محمد المكان الذي عشقة وأعطاه الكثير من جهده ووقته وماله لكن هذا الرائد المتيّم بحب وطنه لن يغادر تاريخ أم الألعاب، بل سيبقى وسماً جميلاً محفوراً في ذاكرة تاريخ الرياضة السعودية والعالمية.
الختم
تحيّة لك يا أبا محمد فأنت قامة وطنية يفتخر بها الوطن.
سليمان بن عواض الزايدي - رئيس الاتحاد العربي لألعاب القوى - عضو مجلس الشورى سابقاً