د. حمزة السالم
مفهوم الرسوم ومفهوم الضرائب يختلفان في الدولة الحديثة عن مفهومهما القديم في أمرين جوهريين.
الفرق الأول: أنه قديماً كانت الرسوم والضرائب تُجبى بلا تمييز من المواطنين المنتجين الضعفاء كالمزارعين والصُناع كما تُجبى من التُجار. لتُنفق بعد ذلك على مصالح الدولة كالجيش وغيره. أما اليوم فهي تُجمع من الذي يستخدم هذه المصالح بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. والقاعدة أنه كلما زادت ثروة شخص حقيقي أو اعتباري فهذا يعني لزوماً زيادة استخدامه لمصالح الدولة.
والفرق الثاني: أنه قديماً لا يُحتسب حين فرضها، آثارها المُتعدية. فللرسوم والضرائب آثار متعدية سلبية ضارة، كإنقاص الإنتاج وتوريث اللامبالاة وتحفيز الامتعاض والاستياء الشعبي، وخلق التضارب بين الموارد والتنظيمات. لذا فالدولة الحديثة تدرس الضريبة والرسوم قبل فرضها لقلب هذه الآثار السلبية فتجعلها آثاراً إيجابية، تزيد الإنتاج وتورث الاجتهاد وتحفز الرضا والموافقة الشعبية وتخلق التكامل بين الموارد والتنظيمات.
ونحن في بلادنا - غالبا ً- لا تزال المفاهيم القديمة هي المسيطرة على تفكيرنا وبالتالي على قراراتنا. سواء أكانت مفاهيم قانونية أو سياسية اقتصادية. والرسوم والضرائب مفهوم قانوني سياسي اقتصادي فلا عجب أننا غارقون في تصورها بالمفاهيم القديمة.
فزيادة رسوم الكهرباء ووضع رسوم على النفايات وإزالة الإعانة عن البنزين، جميعها كان بالإمكان أن تكون قرارات تنموية تعود بعوائد مادية وغير مادية مباشرة وغير مباشرة على الدولة والمجتمع والاقتصاد. وقد سبق الحديث عن الكهرباء وإعانة البنزين، فاليوم عن رسوم النفايات.
فأما رسوم النفايات، فهي تخلو من العدالة ومن توجيه الرسوم للترشيد، وبالتالي تدعو صراحة للامبالاة ما دامت أنها رسوم مقطوعة لا تتعلق بكمية النفايات. وبالتالي فإنها ستزيد من حجم النفايات مما يزيد من كلفة الإزالة مما يقلل من عوائد الرسوم. والعجيب أن طرق توجيه رسوم النفايات إيجابياً، أكثر من أن تُحصى. فمثلاً، لو جُعلت النفايات نوعين ما هو قابل للتدوير وما هو ليس بقابل للتدوير. وثم جُعل للنفايات غير القابلة للتدوير أكياس خاصة تُشترى بالرسوم وجعلت النفايات القابلة للتدوير مجانية. لدفع هذا الناس لترشيد الأولى والاهتمام بتجميع الثانية وعدم خلطها بالأولى. فيتمهد الأمر لإعادة التدوير ويُخلق التكامل التنظيمي والنفسي له. وإعادة التدوير فيه عوائد ضخمة مادية مباشرة تبلغ عشرات أضعاف ما تجمعه الرسوم.
وقد يقال إن هذه فلسفة نظرية فالأكياس قد تصنع تزويراً مثلاً، فأقول إنه لا يوجد حل بلا مصاعب تواجهه. ولكن هناك العقوبات المالية القاسية متى فرضت ابتداءً اعتدل الأمر من بدايته وهذا أفضل من تعديله بعد اعوجاجه. وهو كذلك أفضل بلا شك من توزيع العقوبات على المجتمع كله، بعدم ربط الرسوم بحجم النفايات. ليزيد المهمل في إهماله وندفع المجتهد للإهمال. وحل كهذا، ينقل أحاديث إعادة التدوير من التنظير الحالم للواقع المطبق. فثقافة إعادة التدوير للنفايات من أعسر الأمور التي يُمكن إقناع المجتمع بها، حتى المجتمعات المتقدمة لم يفلح معها إلا حلول كالحل الذي أتيت به كمثال.