المدينة المنورة - مروان قصاص:
أدى زوار مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المصلين والحجاج صلاة الجمعة في المسجد النبوي الشريف الذي امتلأ بالمصلين في جميع أروقته وساحاته، وسط أجواء روحانية مفعمة بالأمن والأمان والراحة والطمأنينة والسكينة والخشوع، وأمَّهم فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم أمام وخطيب المسجد النبوي.
وتحدث فضيلته في خطبة الجمعة عن فضائل مكة، وبيّن أن الله سبحانه تفرد بالخلق والتدبير والاصطفاء، واختياره دال على ربوبيته تعالى ووحدانيته وكمال حكمته وعلمه وقدرته. وقد فاضل سبحانه بين الأمكنة والذوات والأعمال والشهور والليالي والأيام، فخير الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم -، وخير الأعمال توحيد الله وإفراده بالعبادة، وخير الشهور شهر رمضان، وأعز الليالي ليلة القدر، وخير الأيام يوم النحر، وخير البقاع عند الله وأحبها إليه مكة المكرمة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله - عز وجل - ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت». وأقسم الله بها لعظمتها فقال: {وهذا البلد الأمين}، وهو أول بيت وُضع في الأرض مباركًا وهداية، قال تعالى: {إن أول بيت وُضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين}.
وتابع القاسم: اختارها الله لأكرم رسله؛ ففيها وُلد عليه الصلاة والسلام، وفيها نشأ، ومنها بُعث، وبدأ ونزل الوحي والقرآن عليه فيها، وعاش عليه الصلاة والسلام فيها أكثر من خمسين عامًا، ومنها انطلقت الدعوة، وفيها نشأ خير رجال، ومنها أُسري عليه الصلاة والسلام إلى المسجد الأقصى. جعل الله البيت فيها منارة للتوحيد، وأمر بتطهيره مما يضاد ذلك من الأصنام وعبادة الأوثان فقال: {وطهِّر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود}. بلد آمن دعا إبراهيم له بالأمن فقال {رب اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات}. حرَّمها الله منذ خلق السماوات والأرض؛ قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله حرّم مكة يوم خلق السماوات والأرض؛ فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة». ومن حرمتها أن سفك الدم فيها بغير حق أشد حرمة من غيرها؛ قال عليه الصلاة والسلام «فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا». ولعظيم حرمتها لا يطأ أرضها مشرك؛ قال تعالى {... إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام...}.
وأشار فضيلته: مشاعرها مناسك للمسلمين، فرض الله عليهم قصدها، وجعله أحد أركان الإسلام، وإلى مسجدها تشد الرحال؛ قال عليه الصلاة والسلام «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى». فبيت الله أُسّس لعبادة الله وحده لا شريك له, وهو من مواطن التوبة والرجوع إلى الله؛ فعلى العبد أن يقصد المسجد الحرام وهو خاضع ذليل لله للتقرب إليه سبحانه وحط الأوزار. وواجب على العباد تعظيم بيت الله؛ فتعظيم ما عظمه الله من التقوى؛ وبذلك يصلح المسلمون في دينهم ودنياهم. ومن خدم البيت المعظم والحجاج والمعتمرين فأجره عند الله عظيم.
وفي الخطبة الثانية تحدث فضيلته بأن في البلد المبارك الأمن، يؤدي فيه المسلمون حجهم متجردين من الدنيا وأطماعها, مسلمين أنفسهم لله عبودية ورقًا, يجمعهم التوحيد، ويؤلف بين قلوبهم الإيمان, مظهرين الطاعة لله ذلاً وانقيادًا, مفتقرين لله طلبًا وسؤالاً, مكثرين من ذكر الله إقامة وارتحالاً.
وأضاف: في مشاعر الحج العِبَر والعظات؛ الكل عند الله سواء, والميزان هو التقوى. وفي الإحرام واجتماع الناس تذكير بالمحشر. والمقبول منهم من كان عمله خالصًا لله صوابًا, لم يشبه شرك أو رياء أو عدم اتباع. ولحظات الحج ثمينة، والموفق من اغتنمها بالإكثار من ذكر الله والصالحات.
وفي ختام خطبته دعا فضيلته بأن يديم الله أمن هذا البلاد وأمانه، وأن ييسر على الحجاج حجهم، وأن يردهم إلى بلادهم سالمين غانمين.