د. أحمد الفراج
استمعت إلى مقطع لواعظ معروف، ولم أتمالك نفسي من الضحك، إذ يبدو أن هذا الواعظ لا زال يستخدم لغة ومنطق زمن الكاسيت البائد، ولم يدرك حتى اللحظة، أن جمهوره، الذي غُيِّبَ زمناً طويلاً، أصبح يعيش في زمن التكنولوجيا، ويطلع على كل شيء، وبالتالي فإن ما يكتبه ويقوله أصبح مثيراً للسخرية، فالواعظ الحبيب لا زال يحاول إقناع الجماهير أن أمريكا تضحك علينا بالمطالبة بحقوق المرأة، وإلا فإنها هي ذاتها تضطهد المرأة، والدليل على ذلك، حسب الواعظ، أن أقوى امبراطورية عرفها التاريخ، تزيف فوز ثلاث أو أربع سيدات لعضوية الكونجرس، ثم توهم الدول التي تستهدفها، خصوصا الدول المتقدمة مثل أفغانستان والصومال، بأنها تناصر حقوق المرأة مع أنها - أي أمريكا - تضطهد المرأة في الواقع!.
إنه لأمر مؤلم أن تصل الهزيمة النفسية أمام الغرب المتحضر إلى هذه الدرجة من الأوهام، والدجل، والأحلام التخديرية، والآن، دعونا نطرح للواعظ، وللمخدوعين من جمهوره، الحقائق، وبالأرقام، عن اضطهاد أمريكا للمرأة، وسأتجاوز هنا الحديث عن المرشحة الديمقراطية، والرئيس المحتمل القادم لأمريكا، هيلاري كلينتون، كما سأتجاوز الحديث عن رئيسة مجلس الشيوخ الحديدية السابقة، نانسي بلوسي، وسأقتصر على الساسة من السيدات حاليا، إذ تمثل السيدات ما نسبته 20 % من أعضاء مجلس الشيوخ، ومثلها في مجلس النواب، أي أن هناك 104 سيدات، من مجموع أعضاء الكونجرس، البالغ عددهم 535 عضواً، منهن 76 سيدة ديمقراطية، و24 سيدة جمهورية، وغني عن القول أن معظمهن من الأسماء البارزة، التي تملك خبرات واسعة، سواءً في العمل الحقوقي، أو الأكاديمي، أو إدارة الشركات الكبرى، وكمثال، هناك ديانا فاينستاين، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا الكبيرة، وهناك السيدة جين شاهين، التي تمثل ولاية نيوهامشير، وهناك السياسية البارعة، سليطة اللسان، اليزابيث وارين، التي تمثل ولاية ماسيشيوستس، وأخيراً، السيدة كريستين قالبراند، التي تمثل أهم الولايات، أي نيويورك، وغيرهن كثير، وماذا بعد عن اضطهاد المرأة الأمريكية؟!.
علاوة على السيدات في الكونجرس، هناك ست سيدات يتربعن حاليا على مقاعد حاكمية ست ولايات هامة، مثل السيدة، كيت براون، حاكمة ولاية اوريجون، وماري فولن، حاكمة ولاية اوكلاهوما، والأمريكية الحسناء، من أصل هندي، نيكي هيلي، حاكمة ولاية جنوب كارولينا، والأخيرة قامت بإنجاز تاريخي غير مسبوق، بعد حادثة مقتل عشرة من السود، على يد متطرف نازي، في إحدى مدن الولاية، إذ قامت الحاكمة، نيكي هيلي، بجهد جبار، حتى صدر قانون من كونجرس الولاية، تم بموجبه إلغاء علم الولاية، القديم، والذي كان يُرفَع فوق مبنى عاصمة الولاية، جنباً إلى جنب، مع علم أمريكا الرسمي، وهو العلم الذي يشبه الشعار النازي، والذي يرمز للعنصرية، وقد تم تصميمه أثناء انفصال الولاية عن الاتحاد الأمريكي، مع مجموعة ولايات أخرى، رداً على قرار الرئيس التاريخي، ابراهام لينكولن، بإلغاء الرق، قبل قرن ونصف، وقد كتبت عن تلك الأحداث مقالات عديدة، يمكن الرجوع لها، ولا يتسع المجال لسرد قائمة المواقع التي تتسنمها سيدات أمريكا، سواء في المحاكم بكل مستوياتها، أو في المؤسسات الفكرية،والتعليمية، أو في الشركات التجارية الكبرى، أو في الإعلام، والخلاصة هي أن الهزيمة الحضارية أمام التقدم الغربي لا يفترض أن تقود بعض الوعاظ إلى التدليس والتغرير بالأتباع، فالشمس لا تحجب بغربال يا سادة!.