سعد بن عبدالقادر القويعي
كشف النقاب - أخيراً - عن مخطط لاغتيال - السفير السعودي في بغداد - ثامر السبهان من قبل ميليشيات الحشد الشعبي الطائفية التابعة للنظام الإيراني، بعدما اعترف - زعيم ميليشيا أبو الفضل العباس الشيعية العراقية - أوس الخفاجي: «أن للحشد الشعبي الطائفي ثأراً مع السفير السعودي في بغداد، وإذا اغتيل السبهان، وهو شخص مطلوب - حسب زعمه -، فهذا شرف يدعيه الجميع».
التأسيس الخاطئ لبناء جيش عراقي يؤمن بوحدة الوطن، كان أحد أبرز أهداف الحاكم المدني الأمريكي في العراق «بول بريمر»، الذي آثر إنشاء ميليشيات حزبية ضيقة، وطائفية مذهبية، دون العمل على إنشاء قوى سياسية، تكون جزءاً من العملية السياسية للدولة العراقية؛ ولتصبح الميليشيات الشيعية الإرهابية موالية لإيران أيديولوجياً، ودينياً، وسياسياً - أيضاً. وفي تقديري، أن ميليشيات إرهابية كهذه تعتبر من أهم مصادر القوة الإيرانية، التي أنشأتها إيران، ومولتها، وسلحتها، وسيطرت عليها سيطرة كاملة؛ من أجل أن تحركها كما تشاء، وتستخدمها بالكيفية التي تشاء، وذلك من خلال التصفيات السرية، والعمليات العسكرية.
أمثال ظاهرة الميليشيات الشيعية الإرهابية لا تنشط إلا كرد فعل على دعوات هنا، أو هناك، وذلك في إطار الهدف الإستراتيجي العام لإضعاف الدولة التي ينتمي إليها، وعدم سيطرتها عليه؛ ولتكون أداة رئيسة في تحقيق ممارسة النفوذ الإيراني في المنطقة على أرض الواقع. وهذا الاتجاه يؤيده - الباحث الإيطالي - ريكاردو دوجولين، وهو باحث مختص في العلاقات الدولية، وشئون الأمن الدولي، في مقالة له نشرها في صحيفة آسيوية، بأن إيران لديها قناعة جازمة، بأن أفضل ما يخدم مصالحها في المنطقة، هو أن تكون دول المنطقة ضعيفة، ولا تمتلك الحكومات المركزية فيها السيطرة على استخدام القوة. بمعنى: أن توجد في هذه الدول جماعات، وقوى تستخدم القوة، وتتحدى السلطة المركزية، ولديها القدرة على استخدام العنف، وإشاعة الفوضى. وهذا هو ما فعلته إيران - بالضبط - مع حزب الله، ودوره في لبنان، - وأيضاً - مع حركة حماس، ومع جيش المهدي، والميليشيات الشيعية في العراق.
ثم يقول الباحث: إن هذه الأداة الأساسية بيد إيران، أي: الميليشيات، والقوى العميلة لها في الدول العربية تتيح لها في إطار إستراتيجيتها العامة، تحقيق أهداف عدة في وقت واحد، هي:
1 - إضعاف الحكومات المركزية، ومؤسساتها، وإضعاف قدرتها على السيطرة على الأوضاع في الداخل، - وخصوصاً - الدول العربية التي تعاني من اضطرابات، أو قلاقل في الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة، وإثارة الفوضى، والقلاقل فيها.
2 - القدرة عبر هذه الميليشيات، والشبكات الإيرانية، وما يمكن أن تقوم به بعمليات، على تخريب أي نوع من الإصلاحات الديمقراطية - بعيدة المدى - تشهده هذه الدول، وأي إصلاحات بشكل عام. وهذا بالنسبة إلى إيران هدف في غاية الأهمية، ذلك أن نجاح مثل هذه الإصلاحات، يعني الاستقرار، ويعني تقوية الدولة، وهو ما يتناقض مع المصلحة الإيرانية.
3 - وتتيح هذه الميليشيات، والقوى العميلة لإيران، والتي بمقدور إيران أن تحركها كيفما تشاء، القدرة الإيرانية على التهديد الإرهابي للمصالح الغربية في المنطقة وقتما تشاء.
4 - كما أن قدرة إيران على تقوية هذه الميليشيات، والجماعات بالمال، وبالسلاح، وعلى تحريكها بما يخدم إستراتيجيتها في المنطقة، يتيح لها أن يكون لها نفوذ مهم في المنطقة، وتأثير على التطورات السياسية، والاجتماعية في دول المنطقة، من دون أن يمتد ذلك إلى أراضيها - نفسها -، ومن دون أن يؤثر على أمنها الوطني الداخلي.
حدود أي دولة، هي المفتاح الأمني الرئيس لها، باعتبار أن مبدأ السيادة، هو المعيار الحقيقي للدولة، وهو من المبادئ الرئيسة التي يقوم عليها النظام الدولي الحالي. وعندما تفتح الحكومة العراقية الباب على مصراعيه لميليشيات كهذه، فهو إقرار بإضعاف السلطات الرسمية، وإخفاق الجهات المسؤولة عن حفظ الأمن في البلاد، والعمل على تهديد بناء الدولة، وإضعاف مؤسساتها. فإن لم يكن الأمر كذلك، فهل سنسمع عن مراجعة الحكومة العراقية لموقفها من تلك الميليشيات الإرهابية، وإصدار مذكرة اعتقال بحق زعمائها المجرمين؟، كونه يعمل على تهديد الأمن، والسلم للدول المجاورة، وهذا ما يتنافى مع حساب المصالح الوطنية للعراق، - وبالتالي - قطع الطريق على قدرة إيران على التأثير على تلك الميليشيات، وممارسة نفوذها عليها.