محمد عبد الرزاق القشعمي
والجدير ذكره أنه عند تعيينه مدرساً في مدرسة رابغ الابتدائية لم يكتف بما حصل عليه من العلم بل أخذ يواصل الدرس والتحصيل خارج المدرسة على يد مدير المدرسة مما أهله لمزيد من العلم والمعرفة، فكان يُدرِّس الطلاب أول النهار ويَدرس على يد المدير آخره مع طرف من الليل، إضافة لقراءاته المستمرة، مما حمل مدير المعارف العمومية السابق السيد طاهر الدباغ عند زيارته لرابغ واطلاعه على مستوى المدرسة التي كان يديرها بالنيابة إلى ترفيعه ليصبح مديراً لها، ولم يلبث أن كلف إضافة لعمله بالإشراف على عموم مدارس المنطقة. كما نجد علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر عند إصداره لمجلة العرب يكتب من بيروت سلسلة من المقالات في أعدادها الأولى بعنوان: (رحلة إلى طيبة) ونجده في الحلقة الثالثة يرجو من أخيه الأستاذ سليمان سليم المحمدي مدير التعليم أن يساعده في تحقيق موقع في طريق المدينة اختلف على تسميته، وقد عقب على ذلك بالخطاب المرسل من بيروت بتاريخ 15 / 5 / 1967م (1387هـ) «أخي الأستاذ الكريم سليمان سليم المحترم مدير التعليم في رابغ.. سلام عليكم.. وبعد: فقد تأخرت عن الكتابة إليك لشكرك على ما لقيته من لطفك وكرم خلالك، وما كنت متهاونا ولا ناسياً فقدرك أسمى من أن أتهاون في حقه، وفضلك أجل من أن يُنسى، ولكن مشاغل حالت دون ذلك، فأرجو المعذرة.
وبعد، فلعلك قد قرأت رجائي في مجلة العرب بأن توضح لي ولقرائها بعض ما خفي علي من تحديد المواضع أو وقعت في خطأ حينما كتبت، راجياً أن تقرأ كل حلقات الرحلة، وإنني لأتطلع إلى ما ستكتبه في الموضوع، راجياً لك كل خير وعافية... أخوك حمد الجاسر».
بعد وفاته في بداية شهر شعبان 1410هـ رثاه كثير من محبيه من طلبته وزملائه وممن عاصره وعرف قدره، فنجد مدير التعليم بالمنطقة الغربية – سابقاً – الأستاذ عبدالله بوقس يقول في مقاله بجريدة المدينة 12 / 8 / 1410هـ «.. إنه رجل التربية والتعليم الأستاذ سليمان سليم المحمدي رحمه الله الذي آثر أن يتفرغ للإشراف على مدارس رابغ وضواحيها، كان رحمه الله شعلة متقدة لا يهدأ ولا يستكن يخطط بعقلية متفتحة لنشر التعليم بين القرى على امتداد طريق المدينة المنورة وفي قلب البادية سهولها ووديانها وجبالها من رابغ إلى خليص وثول والقضيمة وعسفان وقديد وغران ومستورة وما جاورهما من قرى وكان حريصاً على أن تكون مدارس القرى التي يشرف عليها لا تقل في مستواها العلمي والتربوي وأنشطتها عن مدارس مدينة جدة ساعياً بكل ما أوتي من إمكانات مادية ومعنوية لتهيئة أراض لبناء مدارس حديثة عليها أو تشجيع القادرين... كان كريماً سخياً يعاون كل محتاج طالباً كان أم معلماً أو ولي أمر تلميذ، وقل أن يترك زائر المدينة رابغ دون أن يحظى بكرم ضيافته لا رغبة في جاه أو سلطة.. ».
وقال عنه محمد صالح البليهشي في 17 / 8 / 1410هـ: «.. لقد كان إنساناً بكل ما تعني هذه الكملة من معنى يحب الخير لكل الناس وكان كريما في بذله وسخائه.. كريماً في رعايته وتشجيعه.. كريماً في وفائه وصلاته.. وحتى وهو في مرضه الذي عانى منه كثيراً، كان طيب المعشر عظيم الوفاء لأصدقائه ومحبيه ومعارفه وكان يعيش بروح العصر مؤمناً بالقضاء والقدر.. قليل الجزع والتشكي يهتم بكل نجاح ويفرح بكل تطور في سلم التربية والشباب.. » كما رثاه الأستاذ محمد حسين زيدان وعلي الرابغي في 16 / 8 / 1410هـ «.. ولقد خرجت منطقة رابغ عن بكرة أبيها في مسيرة أطبق عليها الحزن العميق... لقد كان المنظر مؤثراً أبلغ تأثير.. وقد كشف عن جانبه الآخر عن مدى الأصالة في نفوس أبناء هذا الوطن.. فمن كل مكان كان القادمون.. فالذي لم يكن تلميذه.. كان صديق أحد أبنائه.. استطاع أن يهدي وطنه نخبة من صفوة وخيرة شباب رابغ.. منهم الطبيب ومنهم المهندس ومنهم الأستاذ.. وكل فرد من هؤلاء له تأثيره.. في وسطه.. فقد ربي فيهم يرحمه الله الشهامة وحب الوطن وروح الإخلاص والتفاني والبذل بلا حدود.. ».
كما رثاه على السليمان الحمدان وعبدالمجيد شبكشي وعبدالفتاح أبو مدين وعبدالله الجفري الذي قال عنه بعد 15 عاماً في 20 رمضان 1425هـ تحت عنوان: أولئك هم آباؤنا!؟).
«... وحكيت لأصدقائي عن (شخصية) تعليمية تربوية أخرى، أزعم أنه كثف في ذهني وروحي ما غرسه (محمد فدا) من عشق للقراءة/ الكتاب... وهو: التربوي المعلم الأستاذ/ سليمان السليم المحمدي.. الذي كان مديراً للتعليم بمحافظة رابغ ما بين نهاية الأربعينيات إلى الخمسينيات الميلادية.. وكان يزور والدي رحمه الله بمكة المكرمة في منزلنا بـ(قاعة الشفا) وكلما سلمت عليه: كان يمنحني هدية لا أثمن منها في تقديري منذ يفاعتي وصباي، وهداياه في كل مرة: (كتاب) يطلب مني قراءته ليسألني عما فهمته من مضمونه في زيارة التالية!!
وهكذا.. جعلني هذا المربي المعلم سليمان السليم المحمدي: ازداد كلفاً بالكتاب، ولن أنسى ابتسامة مميزة كانت تشيع في كل وجهه العربي الأسمر كلما صافحته فيقول لي أهلاً بالكاتب الكبير (!!) ولم أكن حينذاك إلا (فَروُّج) كاتب في صحف حائط المدرسة...».