د. صالح بن سعد اللحيدان
جرت العادة منذ أقدم الأزمان أن يرحل كثير من كبار العلماء لطلب زيادة العلم رواية.. ودراية. وهذا عند أولئك القوم يرونه سبباً كبيراً لزيادة الفهم وزيادة وعي العقل حتى يكتسبوا بجانب الموهبة التجربة وسداد الحكمة وقوة الإدراك.
1 - فقد رحل (سيبويه) إلى: حماد بن سلمة.
2 - ورحل (لأصمعي) إلى: الخليل بن أحمد الفراهيدي.
3- ورحل (أحمد بن محمد بن حنبل.. ويحيى بن معين) إلى: عبدالرزاق صنعاني عالم اليمن في زمانه.
4 - ورحل (مسلم بن الحجاج) إلى: ابن وارة.
وهؤلاء جملة من الصحابة رحلوا إلى غيرهم من الصحابة كذلك, فمن هؤلاء الأجلاء:
1 - فقد رحل (جابر بن عبدالله) إلى: مسلمة بن مخلد في مصر.
2 - ورحل جابر كذلك مرة أخرى إلى الشام للقياء عبدالله بن أنيس.
3 - ورحل (أبو أيوب الأنصاري) «خالد بن زيد» إلى «مصر» للقياء: عقبة بن عامر.
4 - وذكر الإمام المؤرخ الخطيب البغدادي في كتابه [الكفاية] ص402/203 الطبعة الأخيرة ذكر أن رجلاً من الصحابة قد رحل إلى فضالة ابن عبيد إلى مصر فلما قدم عليه قال له: (أما أني أني لم آنك زائراً ولكني سمعت أنا وأنت حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجوت أن يكون عندك منه علم (وهذا قد جاء عند الخطيب كذلك في كتابه المشهور «الرحلة في طلب الحديث» ص57/58.
5 - ويكفي من هذا رحلة(موسى -صلى الله عليه وسلم-) إلى: الخضر كما في سورة الكهف.
ومن التابعين الذين رحلوا من كبار الطبقة الثالثة والرابعة من هؤلاء:
1 - فقد رحل عامر بن شراحبيل الشعبي من العراق إلى مكة.
2 - بل قد قال ابو العالية وهو من الثالنية قال: «لقد كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة فسمعناها من أفواههم».
وقد كان هذا سبباً كبيراً من أسباب السبق العلمي الجليل الذي خلفه القوم لنا بحيث لم يستطع أحد حتى اليوم أن بثابه (سيبويه) مثلاً.
أو يشابه أو يقارب (مسلم بن الحجاج القشيري) دع عنك (جابر بن عبدالله) أو (أنس بن مالك),
ولهذا أطنب كثيرا من المستشرقين المعتلدين أطنبوا في ذكر تراجم المجددين من كبار العلماء خلال العصور الذين أثروا العلم وقوة الفهم السديد. وهذا يدعوني إلى القول إن نبحث عن سبب أو أسباب نشؤ كثرة التصانيف اليوم وكثرة الكتابة دون إضافات نوعية تستحق القيام لها والشد عليها والمباركة لها, فجل الموجود.. إلا القليل.. إنما ذلك كثرة النقل مع كثرة الاستطراد مع زخم الخطاب الإنشائي.. وكثرة الآثار المنقولة دون تخريجاً جيداً لا يتم التعقيب عليه.
وهنا سبب آخر وجدته أثناء تدريسي في الحرم, ومصر, والرياض, والمدينة, أن هناك خلطاً يقع كثيراً سبب تأخر بروز العلم التأصيلي الجيد وذلك هو الخلط بين عالم الحديث, وعالم الفقه, وعالم التوحيد. بل هناك خلط سيئ بين الداعية والعالم, وبين الواعظ والعالم.
ذلك أن الشهرة لذلك العالم مثلاً لا تخول لك أن تقرأ عليه «صحيح البخاري» إذا كان نقيهاً أو تقرأ عليه «بلوغ المرام» إذا كان عالم توحيد لأنه أي العالم الذي تقرأ عليه قل يشرح أحاديث منسوخة, أو مقيدة, أو صفيفة كما في «البلوغ» ثم هو لا يبين ذلك فيضيع بهذا العلم, ويذهب الوقت هدراً فينشأ من أجل ذلك التعالم ولعل بعضهم لا يقصد هذا لكنه سمعه من شيخه في «الجامع أو «الدرس العلمي» فنقله أو ذكر كما سمعه. وهذا قد وجدته كذلك في بعض المقالات الأسبوعية فتجد من يذكر مسألة شرعية أو ثقافية ثم يقوي رأيه فقط دون تأصيل لها وبسط جيد متين. أفليس هذا يدعو إلى المراجعة والصدق مع النفس بلازم معرفة المرء قدره.