د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
نحن اليوم مدعوون إلى استكمال المادة اللغوية في معاجمنا؛ إذ المعاجم القديمة اعتمدت على بعض ما جمع من اللغة، ولم تر حاجة لإثبات ما يعلم بالقياس، وهو أمر قد يكون ملائمًا في القديم حين كان الناس على مستوى عال من المهارات اللغوية؛ ولكن الأمر اليوم يستدعي تجنب ترك ذلك للاجتهاد الشخصي، فلا بد أن توضع المعجمات المستغرقة كل ما تتيحه أنظمة اللغة القياسية وكل ما استعمل في لغة الناس ولم تتضمنه المعاجم القديمة، وأمر هذا الاستكمال من الأمور التي دعا إليها مجمع اللغة العربية في القاهرة واعتمد عليه في إجازة بعض الاستعمالات الحديثة. وكان في إطار إكمال المادة المعجمية كتاب (تكملة المعاجم العربية) الذي دونه المستشرق رينهارت بيتر آن دُوزِي (المتوفى: 1300هـ)، ونقله إلى العربية وعلق عليه محمَّد سَليم النعَيمي وجمال الخياط، ونشرته وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، الطبعة: الأولى، من 1979 - 2000 م، وبلغ 11 جزءًا. واستدراك ما فات المعجمات القديمة مشروع اعتمده مجمع اللغة الافتراضي بإشراف العالم اللغوي أ.د. عبدالرزاق الصاعدي.
ولعل من المفيد أن أضرب مثالًا على استعمال لفظ ليس في المعجمات القديمة، وهو مما استفدته من العالم المحقق د. عبدالله الشلال، ذكر لي المصدر (طرآن) وأنه ليس مثبتًا في مدخل (طرأ) من المعجمات القديمة. وبالبحث نجد أنه مستعمل في بعض كتب النحو المتأخرة، مثل (تسهيل الفوائد لابن مالك ص305) قال «إلّا إن قُدِّرَ طَرآنُ التأنيث»، و(شرح التسهيل لابن مالك، 1: 55) قال: «ويكتفى بتقدير طرآن السكون مسبوقًا بحركة في الضرورة». و(شرح ابن الناظم، ص 351) قال «ولا تنعت المعرفة بنكرة، صونًا لها من توهم طرآن التنكير عليها، وإنما تنعت بالمعرفة». وذكر الشلال ورود المصدر في بعض مخطوطات النحو بالياء (طريان). والمصدر بهذا اللفظ كثر استعماله في لغة الفقهاء، جاء في ص29 من مقدمة تحقيق مصطفى عبد الحفيظ سَالِم كتاب (النَّظْمُ الْمُسْتَعْذَبُ فِي تفْسِير غريبِ ألْفَاظِ المهَذّبِ) لمحمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن بطال الركبي، قوله «ونبّه إلى أن (طرأ) مهموز، وذلك، لجريان لفظ (الطريان) على ألسنة الفقهاء، وقد ورد كثيرًا في الوجيز للغزالي، كقوله: «طريان ما يغير مقدار الدية» [2: 132]، وقد أجازه النسفي في (طلبة الطلبة)، على سبيل تليين الهمزة للتخفيف، ولا وجه لتسهيل الهمزة المفتوحة في مثل الطرآن، وقد خطّأ المطرزي هذا التسهيل في قوله: «وأما الطريان فخطأ أصلًا»[طرأ]». وأما ما جاء في (طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية) للنسفي فقوله «الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ مَتَى طَرَأَ عَلَى الْعَقْدِ هُوَ مَهْمُوزٌ وَأَصْلُهُ طَلَعَ وَيُرَادُ بِهِ هَاهُنَا حَدَثَ وَاعْتَرَضَ، وَالطَّرَيَانُ بِالْيَاءِ مُسْتَعْمَلٌ عَلَى أَلْسُنِ الْفُقَهَاءِ فِي مَصْدَرِهِ وَهُوَ عَلَى وَجْهِ تَلْيِينِ الْهَمْزَةِ لِلتَّخْفِيفِ دُونَ الْوَضْعِ».(ص65)، وقوله «وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ الْحَادِثُ بِالْهَمْزِ مِنْ حَدِّ صَنَعَ يُقَالُ طَرَأَ أَيْ طَلَعَ وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ فِي مَصْدَرِهِ طَرَيَان الشُّيُوع بِالْيَاءِ الْمُلَيَّنَةِ وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْأَصْلِ إلَّا عَلَى وَجْهِ تَلْيِينِ الْهَمْزَةِ» (ص 147).
والذي يقصده من تليين الهمزة هو ما يكون من تسهيل للهمزة في الطارِئ أي الطاري؛ إذ حذفت الهمزة وعوض عنها بمطل الكسرة، ولعلهم صاغوا المصدر على (فَعَلان) من الطاري من غير نظر إلى الأصل؛ لأنه لا وجه لأخذه من (الطرآن). هذا المثال وغيره مما تنطوي عليه أثناء الكتب ومما يتداوله الناس في بيئاتنا اللغوية المتنوعة في الجزيرة جدير بالرصد والبحث وليس ينهض بهذا مثل مجمع لغوي للغة العربية يؤسس في هذه البلاد، فلعل حكومة بلادنا الرشيدة تسارع إلى ذلك وهي له أهل بإذن الله.