سهام القحطاني
«الفرصة سانحة الآن للدول العربية لإقامة تعاون مع إسرائيل، في ظل التهديدات الإيرانية للمنطقة». -بنيامين نتيناهو-
قد تتعدد التوصيفات الدالة على «ماهية التطبيع» لكن الأقرب هي «دلالة التعايش» ،التعايش بما يتضمّن «رفع أي رمزية نبذ أو تحقير أو عدائية «لهوية خاصة» ومقابل هذا الرفع المساوي له «احترام هوية» و «المشاركة معها في تشكيل تنمية شاملة وفق مساواة حافظة لكرامة الهوية وحقوقها»،وبذلك يتحقق من هذا الرفع؛ تجاوز آثمية دلالة الآخر للهوية المضافة، الانفتاح الاندماجي مع الهوية الغيرية بضمير المشاركة، وحدة المصير والمنجز.
لو تأملنا مسألة التطبيع سنجد أن العرب و إسرائيل كلاهما في حاجة إلى التطبيع، وهنا سأتوقف عند فائدة الطرفين من التطبيع.
أولا: العرب
لا يخفى على أحد اليوم طبيعة محركات القوى على خارطة المنطقة ،فهي تتوزع على محركين ؛ إيران، وإسرائيل، والدول العربية تقع بين هاتين القوتين وعليها أن تختار نهاية المطاف مع من تصطف مع إيران المدعومة من روسيا وطموحاتها الاستحواذية ،أو إسرائيل المدعومة بلا قيد ولا شرط من أمريكا،والتي أيضا لها طموحات استحواذية من النيل إلى الفرات، وبذا تظل الدول العربية بين سندان إيران ومطرقة إسرائيل، واختيار العرب لإحدى القوتين لمساندتها ضد الأخرى تعتمد على أي القوتين أقل ضرراً للعرب وأكثر فائدة، والكفة فيما أعتقد ستكون نهاية الأمر لإسرائيل؛ فالتحالف مع إسرائيل سيحقق المسودة العربية للتفاوض الأرض مقابل السلام حتى لو كان هذا التفعيل في أدنى مستوياته أي؛ أن الفائدة من التحالف مع إسرائيل أفضل حالاً من التحالف مع إيران، كما أن التحالف الإسرائيلي العربي سيكون درع حماية للعرب من الأطماع الاستحواذية لإيران، وبذلك لن تُصبح إيران حليفا مسانداً للعرب؛ لأنها تراهم عرقاً من الدرجة الثانية غير مساوين لها في الوزن والقوة.
وهكذا يُصبح الوضع السياسي للمنطقة من أهم الأسباب التي تدفع الدول العربية إلى التطبيع مع إسرائيل سواء على مهل أو عجلة.
ويمكننا إيجاز ضرورة التطبيع العربي الإسرائيلي فيما يأتي.
*التطبيع مقابل السلام؛ فالعرب تستخدم التطبيع «كورقة ضغط» على إسرائيل لحلحلة مفاوضات السلام أولا، واستغلال رغبة إسرائيل في فتح أبواب الدول العربية أمامها ثانياً.
*التطبيع من أجل التحالف العربي الإسرائيلي ضد إيران.
*الحصول على الدعم الأمريكي الدائم باعتبار إسرائيل الطفل المدلل لأمريكا وأحبابها هم أحباب أمريكا بالضرورة.
ثانيا:إسرائيل
لا شك أن التطبيع من أهم المسائل عند الإسرائيليين لأنه يحّل لها تعقيدات الاعتراف العربي بوجودها ويسهل لها تخفيض فاتورة السلام، كما يفتح أمامها أبواب الدول العربية، ويمكن تحديد أهمية التطبيع مع العرب لإسرائيل كالآتي:
*سدّ حاجتها من الأيدي العاملة العربية لنمو اقتصادها، والتطبيع يضمن انتقالاً سهلاً و سلساً وخالياً من التعقيدات العرقية أو المساءلة التاريخية للعمالة العربية إلى إسرائيل.
*استثمار رؤوس الأموال العربية وخاصة الخليجية لبناء كونفدرالية اقتصادية تستعمر العالم على غرار نظام الرأسمالي الأمريكي.
*استثمار الأسواق العربية لما تنتجه الشركات الإسرائيلية وهو ما يقلل عليها تكلفة تصدير إنتاجها إلى أمريكا وأوروبا.
*تغيير المنهج الفكري للذهنية العربية من خلال انتقال «الهوية الإسرائيلية» من «كائن مغتصِب» إلى «فاعل مشارك في تنمية المنطقة» وهو فوز تاريخي للهوية للإسرائيلية.
لكن يجب ألَّا نغفل مسألة مهمة هنا وهي أن قرار»التطبيع العربي الإسرائيلي» ليس مجرد قرار حكومي للدول العربية فهو أيضا قرار شعبي.
والقرار الشعبي قد يراه البعض صعب المنال نظراً للطبيعة الذهنية الشعبية العربية المتوارثة، وهي ذهنية قد تعيق إتمام أي علاقة شعبية للتطبيع شاملة، وهو أمر تجاوزه يحتاج إلى «ثورة على المفاهيم القديمة» تقوده الثقافة والفن.
في حين يرى البعض أن الذهنية العربية الشعبية قد تغيّرت وفق الضغوط السياسية والاقتصادية التي تعرضت لها منذ هزيمة 67 وحتى اليوم، فتلك الضغوط طهرّتها من جذورها الوجدانية وقربتها إلى العقلانية كما طوّرت مفهومها للنفعية، فإذا قُدمت لها إسرائيل كمخلّص اقتصادي لأزماتها لن تتردد في مصافحتها،كما أن العولمة غيّرت حسابات الشباب العربي فقد أتاحت الانفتاح الفكري على الجميع وقبوله والتفاعل معه، وهو ما قد يجعل عدو الأمس زميلا مشاركا في التنمية التي سيستفيد منها الطرفان، فالتشارك في المنفعة هي التي تغلب آخر المطاف، مما يجعل «الهوية الثقافية العربية ظلاًّ لا سلطانا».
وهكذا يصبح التطبيع مصدر خلاص للجميع.