بعد ذلك، وبينما كنت ما أزال أدير متجري، كتبت رواية أخرى متوسطة الطول- الكرة والدبابيس- عام 1973، وفي أثناء عملي على هذه الرواية كتبت بضع قصص قصيرة وترجمت بعض القصص ل_ ف. سكوت فيتزجيرالد. رُشحت كل من «الكرة والدبابيس» و»اسمع غناء الريح» لجائزة أكتاغاوا الرفيعة، قيل إنهما مرشحتان قويتان لكن لم تفز أي منهما في النهاية. ومع ذلك لم أكن مهتمًا بشكل أو بآخر حقًا، فلو إنني فزت بها كنت سأنشغل بالمقابلات وتكليفات الكتابة، وكنت أخشى أن يتعارض ذلك مع إدارة النادي.
كنت أدير نادي الجاز خاصتي كل يوم لثلاث السنوات، أتابع الحسابات وأتفقد المخزون وأعد الجداول لموظفيّ وأقف خلف المنضدة لمزج شراب الكوكتيل بنفسي وأطهو ثم أغلق المتجر في الساعات الأولى من الصباح، وعندها فقط أكتب في المنزل على طاولة المطبخ حتى أشعر بالنعاس. كنت أشعر كما لو أنني أعيش حياة شخصين. كان كل يوم شاقًا جسديًا، وقد خلقت كتابة الروايات وإدارة النادي في الوقت نفسه مشاكل أخرى، فإدارة عمل في الخدمات يعني أنه يتعين عليك قبول أي كان من يجتاز الباب، ولا يهم من يدخل إلا أن كان بغيضًا فعلًا، إذ يتوجب عليك تحيته بابتسامة ودودة على وجهك. ويعود الفضل في ذلك في كوني صادفت جميع صنوف البشر الغريبين وتعرضت لأحداث استثنائية. قبل أن أبدأ الكتابة، انهمكت، من منطلق الواجب، بل وحتى الحماس، بعدد من الخبرات، وأظنني استمتعت بمعظمها وبكل المحفزات التي جلبتها. وجدت نفسي تدريجيًا، رغم ذلك، أرغب بكتابة رواية أكثر بلاغة. لقد استمتعت في الأساس بعملية الكتابة أثناء عملي بالروايتين الأوليين «اسمع غناء الريح والكرة والدبابيس 1973»، لكن كانت هنالك أجزاء لم أكن راضيًا عنها تمامًا، فقد كنت مع هاتين الروايتين قادرًا فقط على الكتابة على دفعات مختطفًا قليلًا من الوقت هنا وهناك، نصف ساعة هنا، ساعة هناك. ولأنني كنت متعبًا دائمًا وشعرت كما لو أني كنت أسابق الساعة كلما كتبت، لم أكن قادرًا على التركيز. بهذا النمط من المقاربة المبعثرة كنت قادرًا على كتابة بعض الأمور المنعشة الممتعة، لكن النتيجة كانت بعيدة تمامًا عن كونها رواية معقدة أو عميقة. شعرت أنني قد منحت فرصة رائعة لأكون روائيًا، فرصة لا تحظى بها كل يوم، واشتعلت رغبة فطرية في استغلالها بقدر استطاعتي وأن أكتب الرواية التي ستشعرني بالرضا. كنت أعلم أن باستطاعتي كتابة رواية أكثر طولًا. وبعد أن فكرت بالأمر مليًا قرّرت أن أغلق النادي لفترة للتركيز على الكتابة وحدها. كان دخلي في ذلك الوقت من نادي الجاز أكبر من دخلي كروائي، واقع عليّ الإذعان له.
معظم الأشخاص الذين أعرفهم كانوا معارضين بشدة لقراري، أو اعتراهم شك كبير به. «إن ناديك يمنحك مدخولًا جيدًا الآن» قالوا، «لم لا تجعل أحدهم يديره لك أثناء انقطاعك لكتابة روايتك؟» يبدو ذلك منطقيًا من وجهة نظر العالم، إذ لم يصدق معظم الأشخاص أنني سأنجح ككاتب محترف، لكنني لم أستطع العمل بنصيحتهم، فأنا شخص يخلص كليًا لما يفعله، لكني لم أستطع القيام بشيء ذكي ككتابة رواية في الوقت الذي يدير لي أحدهم متجري، عليّ الاضطلاع بالأمر بكل ما أملك، وسأتقبل فشلي إن فشلت. لكني كنت أعلم إن قمت بأمر بفتور ولم ينجح فسأندم دائمًا.
بعت النادي رغم اعتراضات الآخرين، وعلقت لافتة تشير إليّ كروائي - على الرغم من شعوري بقليل من الحرج- وانطلقت لأكسب عيشي من الكتابة. «أحتاج أن أكون حرًا لعامين فقط لأكتب»، شرحت لزوجتي» وإن لم ينجح الأمر يمكننا دومًا افتتاح نادٍ صغير في مكان ما، فأنا ما زلت شابًا ويمكننا دومًا البدء من جديد». «حسن» قالت. كان هذا عام 1981 وما زلنا مدينين بمبلغ كبير، لكني فكرت أنني سأبذل جهدي وسأرى كيف تسير الأمور.
- ترجمة/ بثينة الإبراهيم