أخطر ما تفعله العداوة المتأصلة في قلوب البعض أنها تعمي أعينهم عن الحقائق، وتشعل في نفوسهم وصدورهم نيران الحقد والحسد ليس تجاه من يعادونه فقط، بل وربما تجاه كل الناس حتى أقرب الناس إليهم، وعدو الناس لا يكتفي في غالبية الأحيان بعداء المشاعر، فنجده لا يكتفي بما يضمره في جوفه من عداوات تجاه شخص أو أشخاص بعينهم، بل ينعكس ذلك على تصرفاته المصحوبة بالكذب والشك وسوء الظن بالآخرين، وهذا ناتج عن مرض داخلي يجعله ينظر لكل من حوله نظرة سوداوية حتى لو لبس ثياب الزهد والورع، وادّعى المثالية والبسمة المصطنعة ومثل هذه العيّنات من البشر تجده دائم التردّد مع خمول وكسل متواصل يصاحبه غرور ومكابرة!!
والمتخصصون في الطب النفسي يرون عيّنة هؤلاء البشر يتحيّنون الفرصة للنيل ممن اعتبرهم أعداءه، وربما اضطر للتظاهر بالمودة في انتظار هذه الفرصة لذا يصدق القول إن العداوة هي رأس النفاق.
وأمام هذه السلوكيات المريضة تجد أن بيئة هؤلاء (المرضى) ينتابهم الوساوس والتخيّلات فتارة يتوهّمون بأنّهم أُصيبوا بالعين، وأخرى بأنّهم مصابون بالسحر مما يولّد الاكتئاب وانعدام الثقة داخل نفوسهم وتكثر المشكلات وتكبر حتى تصبح واقعاً يصعب الخلاص منه.
وعندما تقترن العداوة المتأصلة في هذه القلوب المريضة بسلوك المنافقين، فإن الخطر يكون أعظم والضرر أشد، وينذر بعواقب وخيمة تحرق عدو الناس قبل أن تمتد إلى غيره، هذا بخلاف العقاب الإلهي لمن تغلغلت عداوة الناس في قلبه وقادته أحقاده إلى الطعن بهم أو أي شكل من أشكال الإضرار بهم!
ومما يؤسف له أن كثيراً من الذين يتركون أنفسهم نهباً لآفة العداوة، لم يتنبهوا إلى أن شرارتها الأولى اندلعت من مرض نفسي أهمل علاجه لدى الطب النفسي، ناسين أو متناسين أنهم ناجون من الأمراض، وأنهم معصومون من الأخطاء، وأنه لا نظير ولا مثيل لهم، غافلين عن قيم الشريعة الغراء الداعية إلى التواد والتراحم والإخاء، والتآلف والتعاون، ولو أنهم تدبروا في هذه القيم والمعاني لأنقذوا أنفسهم من الكراهية التي يكتسبونها بفعل ما أصابهم من عداوة للناس ولأنقذوا غيرهم من خطر الاكتواء بنار هذه العداوة.
ولأن الإسلام بشريعته الشاملة الكاملة يستوعب كل أمراض النفس البشرية، لم يكتف في نصوصه من القرآن الكريم والسنّة بالتحذير من داء العداوة، مضرة على الفرد والأمة، بل طرح أيضاً العلاج لهذا الداء، ومنح الفرد الذي يبتلى به فرصة الشفاء، وهل هناك علاج أفضل مما جاء في قوله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِك...}، فمن اتّصف بصفة الحلم ملك قلوب الناس وانقادوا له، وأمن على نفسه من شرورهم.
إن شجرة العداوة بما تأصلت جذورها تبقى ضعيفة يمكن اقتلاعها والتخلص من خبثها، متى أردنا ذلك علينا جميعاً أن ننظر في دواخلنا وننزع بذرة للعداوة قد تنمو، وتقوى لو غفلنا عنها قبل أن نصبح أعداء لأنفسنا فعداوة الناس مآلها الخسران في الدنيا والآخرة.