إن الحديث عن سوق عكاظ يقودنا إلى تاريخ طويل من الحراك الثقافي العربي يمتد إلى عمق التاريخ، هذا الحراك الثقافي تم إحيائه بمبادرة من الملك فيصل الراحل فيصل بن عبد العزيز (رحمه الله) عندما شكّل لجنة من كبار العلماء في الجغرافيا والأدباء والمثقفين لتحديد موقع سوق عكاظ.
هذا السوق أخرجه إلى النور ابنه الأمير المثقف خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة بتدشين أول نشاط رسمي لسوق عكاظ عام 1428هـ بعد توقف دام نحو 1300 سنة، وظهر في حلته الجديدة التي تحمل سمة الأصالة والمعاصرة بطابع سعودي، وذلك بأمر ملكي تاريخي من الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز فطل علينا سوق عكاظ بحراكه الثقافي للعام العاشر على التوالي في مدينة الطائف، واليوم يتمتع سوق عكاظ برعاية ودعم كبيرين من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين وولي ولي العهد.
وقد اشتهر سوق عكاظ عند العرب كأهم أسواق العرب وأشهرها، حيث كانت القبائل تجتمع في هذا السوق شهراً من كل عام، ينشدون فيه الشعر، ولم يقتصر عند هذا الحد بل كان أيضاً موسماً اجتماعاً قبائلياً له دوره السياسي والاجتماعي الكبير، فقد مثّل عكاظ لقبائل العرب منبراً إعلامياً يجتمع فيه شيوخ القبائل بعشائرهم، كما كان السوق سباقاً للفروسية، وسوقاً تجارياً واسعاً تقصده قوافل التجار القادمين من الشام وفارس والروم واليمن، ومنتدى تُطلق فيه الألقاب على الشعراء والفرسان والقبائل وغير ذلك، ومنبراً خطابياً تقال فيه الخطب، وينصت له الناس، ومجلساً للحكمة تحفظ فيه الحكم.
واستمر في عهد النبوة وصدر الإسلام أيام الخلفاء الراشدين وزمن بني أمية حتى سنة 129هـ، حيث ثار الخوارج ونهبوه، وقد تأثر «سوق عكاظ» بتوسع الدول الإسلامية وانتقال مراكز الحضارة من الحجاز إلى دمشق ثم بغداد.
وبعد إحياء هذا النشاط الثقافي التاريخي يعد سوق عكاظ الآن ملتقى شعرياً وفنياً وتاريخياً فريداً، يقصده المثقفون والمهتمون بشؤون الأدب والثقافة، تصاحبه العروض الشعبية الأصيلة، والكلمة الشاعرية العذبة، ومستمتعين بالقيمة المعرفية والثقافية التي يقدمها السوق من خلال ندواته ومحاضراته وفعالياته، وتتنوع الأنشطة لتقدم محتوى يعيد تأصيل القيم الأخلاقية والتاريخية والثقافية لدى العرب.
وسيذكر التاريخ أن فيصل الملك وخالد الفيصل الأمير استعادا تراثا تاريخيا عميقا بعد توقف أكثر من ألف عام ليعيد للعرب تاريخهم الثقافي وحراكهم الأدبي، حيث يتذكرون أشعار الماضي وينشدون أشعار اليوم وينتظرون أشعار الغد مما يسهم في ظهور أجيال جديدة من الشعراء مستمدين ما ينشدون من تاريخهم الطويل وحاضرهم العظيم.