فهد الحوشاني
يصعب فهم وتفسير أن يتخلى الإنسان طواعية عن حريته وعقله وسوية تفكيره لصالح إنسان آخر! فيعيطه كامل الصلاحية في التصرف فيه وتوجيه سلوكه بل ومعتقده الديني، فيتخلى عن أسمى ما منحه الله إياه وهي حرية الاختيار والتفكير ليجد متعة لا تدانيها متعة في الانخراط مع القطيع المستسلم لما يوحي به الزعيم أو الشيخ أو السيد أو زعيم الجماعة! يحدث هذا عندما يتبع إنسان أي إنسان زعيم جماعة أو طائفة دينية انحاز عن النهج الصحيح للإسلام وأسس طريقة أو مذهباً يميزه عن غيره!
ليصبح هذا الإنسان هو من يحدد لذلك التابع كل تصرفاته وحدود تفكيره وشيئاً فشيئاً يصبح التابع مجرد رقم في القطيع ويصبح (الريموت كنترول) في يد شخص واحد يحدد للقطيع ما هو الدين الصحيح حتى وإن كان هذا الشخص جاء متأخراً عمن أوحي إليه بالدين قروناً كثيرة!
ما نجده في القاعدة وداعش أو الحشد الشعبي وحزب الله أو الصوفية أو الإخوان وغيرها من المنظمات والجماعات والمذاهب القديمة والجديدة، هو أن كل تلك وغيرها أعادت إنتاج الإسلام بحسب مرجعياتها وزعامات تتنوع في تشددها حتى تصل للإرهاب والإجرام كما هو الحال في داعش والقاعدة وحزب الله والحشد الشعبي.. حيث يوجد زعيم يوجه جماعة معينة أسلموا له عقولهم فأصبح الرمز يصل أحيانا إلى القداسة!! ليأتي لهم بما لم يأت به النبي محمد صلى الله عليه وسلم.. ولكنه أقنعهم بأن يكونوا له تابعين يبيعون له عقولهم بل وأرواحهم! من يضع نفسه داخل القطيع لن يخرج منه بسهولة ومع أن الدين الإسلامي أساسه التفكير المستمر (ألا يتفكرون؟ ألا يعقلون؟ ألا يتدبرون؟) لقد وردت هذه الكلمات كثيراً في القرآن الكريم.. إلا أن القطعان لا يتفكرون ولا يعقلون ولا يتدبرون!
الدين جاء مؤكداً على أن العلاقة بين الإنسان وربه مباشرة، فلماذا يحتاج البشر إلى موتى يتوسلون إليهم؟! أو أحياء يسلمونهم عقولهم ويستمدون منهم عقائدهم!
يتوجه الـ(تابع) لسوق الجماعات والطوائف ليشتري بجزء من عقله عباءة يرتديها تميزه عن غيره! إنها مسألة معقدة يصعب فهمها! لماذا كثرت المذاهب والجماعات والملل التي لم تكن موجودة في عصر الرسول ليقوم بعضها بإنتاج للدين برؤية بشريه تقترب وتبتعد عن الدين الصحيح!وكأنها تقول إن الدين لم يكتمل!! فهي تقوم بإكماله والزيادة عليه برؤية بشرية! وكلما وجدت أن شيخ الطريقة أو المذهب أو الجماعة يمجد ويخرج به عن صفات البشر كلما كان لك أن تتيقن وتقيس مدى سلبه لحرية التفكير عند مريديه واتباعه! لأن الدين لا يمكن أن يصبح الملهم فيه بشراً لم يوح إليه!
إنه أمر محير، لماذا يبحث الناس قديماً عن صنم وحديثاً عن زعيم ديني أو جماعة دينية ليندسوا تحت عباءتها؟! لماذا الخروج عن جماعة المسلمين وسوادهم والانخراط في جماعة أحياناً تكفر غيرها وربما حملت السلاح ضد من تخالفه! كان جهيمان ممن فعل نفس الشيء جمع الأتباع الذين سلموه عقولهم.. فذهب بهم للحرم وفجأة وجدوا أنفسهم يحملون السلاح ويقتلون الناس في أطهر البقاع!
كثرة المذاهب والجماعات وكثر المنتفعون منها! وبالتالي كثر (الزعماء) و(الأسياد) وكثر (العبيد) المسلوبون حرية تفكيرهم واتخاذ قرارهم! بدأت فرقة المسلمين منذ أن تزعم بعض الأشخاص مجموعة ممن أسلموا عقولهم لهم! ولو لم يكن هناك مذاهب ولا طرق ولا جماعات لبقي أتباعهم مسلمين فقط دون تصنيف آخر! يبنون أمجادهم وثرواتهم وزعاماتهم باستثمار مذاهب وجماعات ما أنزل الله بها من سلطان!