هاني سالم مسهور
لن يكون فشل مفاوضات الكويت سوى انعطاف جديد في متاهة امتدت طويلاً، فلم تنجح اليمن من الخروج الآمن برغم ما وفرته له المبادرة الخليجية في 2011م من فرصة حقيقية لبناء عقد سياسي واجتماعي واقتصادي صحيح بعد عقود طويلة لم يعرف فيها اليمن شماله وجنوبه استقراراً حقيقياً، فتلازمت ثنائية الحوار والحرب ودفع اليمنيون في الشمال الثمن باهظاً كما دفع الجنوبيون الثمن مضاعفاً كنتيجة غياب الحُكم الرشيد في صنعاء وعدن، فلقد فشلت العاصمتان معاً في الدخول من باب الدولة المدنية في ستينيات القرن العشرين المنصرم، صنعاء زاوجت بين الدولة والقبيلة، وعدن ارتمت في محور السوفييت، النتيجة هي فشل المنظومة السياسية والاجتماعية انتهى بزواج متعة في لحظة انتشاء عام 1990م.
كان «شبه المخلوع» صالح الأكثر حضوراً في المشهد اليمني عبر السنوات الماضية، علي عبدالله صالح هو نتاج تلاقح القبيلة بالدولة، هذا الابن العاق خلق من حوله الآلاف من المشاكل المعقدة، تورطت الدولة في مغامراته، وتورطت القبيلة معه في نزواته، لم تستطع اليمن الخروج من تحت عباءته، وإن خرجت ستبحث عن ذلك الناتج عن الزواج الأول ليقودها نحو مآلات ما يمكننا أن نراه من اشتباكات في كل شيء المذهب والحزب والمؤسسة وحتى علم الدولة.
فشلت اليمن منذ 1962م شمالاً و1967م جنوباً لسبب واحد هو عدم تسليم الدولة للحاكم الراشد، فاليمن المعتكر في ألف عام من أزمات سياسية لم يكن بحاجة أن يمنح فيه «شبه المخلوع» صالح مظلة لتنظيم الإخوان المسلمين، ولم يكن اليمن ليتحمل استنساخاً لـ»حزب الله» في شمال جاهل فقير خرج مُدعياً أنه «أنصار الله»، هكذا يزرع «شبه المخلوع» صالح المفخخات والألغام تحت أقدام بلاد لم تعرف عاماً من الرخاء والاستقرار.
عندما تفجرت ثورة الشباب في فبراير 2011م لم يجد اليمن في أبنائه تلك النوعية التي تستطيع أن تعبر به هذه الأمواج المتلاطمة فامتدت يد الخارج عبر المبادرة الخليجية التي وجدت في اللجوء إلى حكومة التكنوقراط مسلكاً يمكن من خلاله تجاوز الأزمة، في تاريخ اليمن السياسي لم يجد التكنوقراط طريقاً للسلطة التنفيذية إلا مرات قليلة، فحكومة فرج بن غانم -رحمه الله- كانت بعد حرب صيف 1994م وعاشت كما عاشت حكومة خالد بحاح الأوضاع التي لا يمكن لها أن تضع خططاً وبرامج تنموية من خلالها يمكن تقييم أدائها.
كل هذه الأزمة العنيفة التي عاشتها اليمن لم تعرف شخصيات خارج إطار الأحزاب السياسية المتورطة في هذه الأزمة، غياب الشخصيات الوطنية سواء كانت الحاصلة على الشهادات العلمية أم تلك الاجتماعية التي تتجاوز نطاقات مناطقها وقبيلتها، هذا الغياب يشعرنا أكثر بالخوف على مستقبل اليمن، فعندما تغيب هذه الشخصيات تشعر بأنك تسبح في فضاء لا جاذبية فيه مما يعرضك لتوالي اصطداماتك بالكتل الصخرية، هذا ما نشعر به كمراقبين لحال اليمن الذي اصطدم كثيراً خلال نصف قرن بأزمات لم تجد لها نُخبة وطنية تجنبه كل هذا.
كشف الانقلابيون عن وجه بشع في 21 سبتمبر 2014م، انقلاباً على أكثر من مجرد مخرجات مؤتمر وطني شامل ودستور، فبشاعة الانقلاب تكمن في تمزيق ما تيسر لليمنيين من أمل رسمته المبادرة الخليجية ليخرجهم من متاهة معاناتهم التاريخية، إيران وشركائها في اليمن رفضوا كل فرصة للاستقرار، مؤلم حقاً أن يغيب في اليمن وجوه كان لا بد وأن تكون هي الممسكة بزمام الأمور، فلقد فشلت اليمن عبر عسكرها وقبائلها وحان الالتفاف حول متعلميها.