في المملكة، الحوادث المرورية تشبه الحرب الأهلية الشرسة بل تتفوق عليها من حيث عدد القتلى والجرحى والخسائر المادية. حسب الإحصائيات فإن ثلاث مئة ألف حادث مروري يحدث في المملكة سنوياً، ينتج عنها وفات 17 شخصاً يومياً وإصابة أكثر من 68 ألف شخص سنوياً مما يؤدي إلى أن ثلاثين في المئة من أسرّة المستشفيات يشغلها ضحايا حوادث المرور، أما الخسائر المادية فزادت على 13 مليار ريال في السنة، زد على ذلك الخسائر الاجتماعية من تمزق للأسر وتشتتها بسبب الوفيات حتى لا يكاد يخلو بيت في السعودية إلا وفقد له قريباً أو شخصاً عزيزاً. الجميع اكتوى بنار الحوادث المرورية، والسبب الحقيقي وراء تلك الكوارث هو عدم الالتزام بقواعد الأمن والسلامة المرورية من سرعة زائدة أو قطع إشارة أو تجاوز خاطئ... الخ. ولكن السؤال الذي يهمني في هذا المقال هو: هل يتجاهل العلماء والدعاة هذه الأرقام أم يجهلونها؟؟
لم تقف وزارة الداخلية ممثلة في قطاع الأمن العام الإدارة العامة للمرور مكتوفة الأيدي أمام هذا السيل العارم الذي أهلك الحرث والنسل فعلى مدى السنوات الماضية وَضعت عدة برامج للحد من أضرار الحوادث المرورية ووضعت غرامات مالية وسجناً لمن يخالف قواعد المرور ووافق مجلس الوزراء على رفع رسوم المخالفات المرورية كل ذلك لكي يلتزم الجميع بقواعد الأمن والسلامة المرورية.
ولكن على مدى السنوات الماضية وقفت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ممثلة في الدعاة وأئمة المساجد وخطباء المنابر وكذلك العلماء والقضاة موقفاً شبه مُتجاهل لوجوب إلزام الناس بقواعد المرور والذي بدوره أدى إلى خسائر تفوق ما خلفته الحروب من قتلى وجرحى.
إن أهم جانب يتحكم في سلوك وتصرفات المواطن السعودي هو الجانب الديني. نعم، سمعنا عشرات الدعاة وخطباء الجمعة يعظ وينصح ويبكي وأبكى من حوله عن حرمة التدخين لما يؤدي إليه من وفيات وأضرار صحية وهي أقل من ربع ما خلفه عدم الالتزام بقواعد المرور من قتلى وجرحى وأضرار اجتماعية واقتصادية امتنع معظم الناس عن الدخان لا لشيء إلا أنه محرم ولم يعِ أولئك أن قطع الإشارة المرورية والقيادة بسرعة جنونية أعظم حرمة من شرب سيجارة الدخان!! إن الوازع الديني ولله الحمد هو الذي يتحكم في سلوكياتنا وتصرفاتنا اليومية نمتنع عن ممارسات عدة أشياء لا لشيء إلا لأنها محرمة شرعاً ونفعل أشياء عدة يومياً لا لشيء إلا لأنها واجبة شرعاً. إن العلماء والدعاة وخطباء الجمعة لهم حصة الأسد في التحكم في سلوك المواطن السعودي أكثر من تأثير الدعايات التلفازية واللافتات على الطرقات والمنشورات التي يقوم بتوزيعها رجال المرور مشكورين على ذلك.
أكاد أن أجزم أن فتاوى تصدرها هيئة كبار العلماء حول قطع الإشارة والالتزام بالسرعة القانونية وغيرها من قواعد الأمن والسلامة المرورية ثم يقوم بنشرها الدعاة وخطباء الجمعة بين الناس في المنابر ووسائل التواصل الاجتماعي لها أثر أكبر في الحدِّ من المخالفات المرورية من رفع الغرامات المالية أو ما قام به نظام ساهر. التوعية من جانب ديني رادع قوي في منع المخالفات المروية أقوى من الغرامات المالية إن أخلص في ذلك الدعاة. نعم، قام العلماء والدعاة بتوعية الناس بالالتزام بقواعد المرور ولكن هذه المحاولات فقيرة وغير ممنهجة لا تصل إلى الحد من الكارثة التي نعيشها اليوم من مقتل 17 شخصاً يوميا.
وأنا في هذا المقال أوجه نداء لسماحة المفتي ومعالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالتعاون مع الإدارة العامة للمرور في وضع حملة ممنهجة ومستمرة تقوم بتوعية الناس بوجوب الالتزام بقواعد المرور وأن المخالف للقواعد المرورية هو مخالف لشرع الله بمخالفته لقرارات ولي الأمر واستهتاره بأرواح البشر وإلقاء نفسه إلى التهلكة وترويعه لعابري السبيل إما بسرعة زائدة أو قطع إشارة مرور. إنكم يا سماحة المفتي ويا معالي الوزير تقفون على هرم مؤسستين لم تؤديا دورهما كما ينبغي طوال السنوات الماضية في الحدِّ من هذه الحرب الأهلية التي شردت الأسر ويتَّمت الأطفال ورمَّلت النساء وخلَّفت مئات الآلاف من الجرحى والقتلى زد على ذلك هدر مليارات الريالات.
لذا يجب على وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ممثلة في الدعاة وأئمة المساجد وخطباء المنابر وكذلك هيئة كبار العلماء والقضاة التعاون مع الإدارة العامة للمرور في توعية الناس بوجوب الالتزام بقواعد الأمن والسلامة المرورية لما في ذلك من مصلحة البلاد والعباد. فعلى سبيل المثال لماذا لا يخصص موضوع خطبة الجمعة للحديث عن وجوب ربط حزام الأمان وحرمة قطع الإشارة المرورية وحرمة تجاوز السرعة القانونية أو عكس الطريق ويزود خطباء المنابر بهذه الإحصاءات المخيفة من قبل الإدارة العامة للمرور؟