د. محمد بن إبراهيم الملحم
الكتاب المقرر يعتبر مصدر المعرفة الأكثر قوةً وتأثيراً لدى الطالب، ونفوذه أقوى بكثير من أي مصدر آخر ويتصارع محتوى هذا الكتاب مع أقوى المصادر المعرفية في زماننا هذا «الإعلام» وتكون له الغلبة أحياناً، خاصة لطلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة.
ولهذا السبب لم يكن مقبولاً أبداً أن تشتمل هذه الكتب على الأخطاء العلمية أو التناقضات سواء فيما بينها أو التناقض مع شائع المعرفة الصحيح (أياً كان مصدر شيوع هذه المعرفة: التقاليد - الإعلام - المشاهدة المباشرة) ووجود مقدار ضئيل جداً من هذه الأخطاء هو كالجبال في تأثيره ولا يمكن تلافي آثاره السلبية بسهولة.
إن أسباب ظهور مثل هذه الأخطاء كما يدركها المختصون بالوزارة لا أستطيع الإشارة إليها فلم أعمل في تأليف المقررات، ولكن يمكن التعليق عليها أنها طبيعة بشرية (وهو مصدر نشأتها ابتداء) لكنما ظهورها في النسخ المطبوعة والموزعة على طلاب وطالبات المملكة كلها (وهو ما نتحدث عنه) فهو نتيجة استعجال وعدم توفر مراجعة نوعية كافية. والأفدح من ذلك استمرار ظهور نفس الأخطاء في طبعات تالية!.
ما أعلمه عن تأليف المقررات الجديدة لدينا أنها لا تمر بفترة تجريب وإنما تؤلف بالكامل، ثم تفاجئك في الميدان تماماً كما يطرح أي كاتب مؤلفه الجديد في السوق. وأظن أن هذا الأسلوب لا يناسب كتباً مقررة ستطرح بكميات مليونية عبر سنوات قادمة، بل ينبغي اتباع ما يفعله كبار المؤلفين للكتب الجامعية، حيث يقوم بتدريس ذلك المقرر سنوات عدة ويقيم خلالها المحتوى والأسلوب ويصحح الأخطاء ويتلافى العيوب ويعيد الترتيب حتى يستقر على حالة مرضية تلاقي الإقبال وتحقق النجاح بقياسات موثوقة، ثم يعمد بعد ذلك إلى إصدار الكتاب كمرجع جامعي للمقرر. لماذا لا تطبق وزارة التعليم هذا النهج بطريقة مناسبة من خلال مدارس تجريبية حتى إذا تعرضت هذه المدارس إلى أخطاء في الكتب المطروحة (تجريبياً) كان تلافي سلبيات تلك الأخطاء على هذه المدارس التجريبية محدودة العدد أمراً سهلاً، كما أن وقوع سلبيات تلك الأخطاء على عدد محدود من الطلاب أهون ضرراً بكثير من وقوعه على كل طلاب المملكة.
ولماذا لا تكوِّن الوزارة مجموعات نقدية لتلك الكتب من أبرز المعلمين وتعقد لهم لقاءات سنوية متعددة تسمع من خلالها الآراء والتعليقات وتناقش التقارير وتخلص إلى قرارات تصحيحية أو تحسينية أو أساليب تطويرية ترتقي بتلك الكتب على الدوام.
وعندما نقول أخطاء فإننا لا نقصر ذلك على الأخطاء العلمية بل يتعداه إلى تلك المنهجية، حيث أحياناً يؤدي عرض المعلومة بطريقة ما لأثر معاكس لما ينتهجه المعلم في التدريس الصفي، فيكون هذا التباعد أو التباين مطلب مناقشة بين المؤلفين والمطبقين، وينبغي أن يحسم الأمر من خلال الحوار المفيد الذي ربما يصل في بعض حالاته إلى ضرورة تعديل أسلوب عرض الكتاب المقرر.
حيث إن إجماع المعلمين على جودة أسلوب التدريس الصفي مقارنة بأسلوب الكتاب هو أمر محقق ملموس أكثر إقناعاً من الافتراضات النظرية التي بني عليها أسلوب عرض الكتاب، خاصة إذا كانت تلك الافتراضات اجتهادية ولا تستقى من تجربة ناجحة أو أسلوب حديث أكثر فعالية.