د.علي القرني
من الواضح أن إيران هي التي تمتلك الورقة الحوثية وورقة المخلوع علي عبدالله صالح، وليس لهؤلاء أي إرادة في تسيير أي حل سياسي ممكن للأزمة اليمنية. ووجود وفدي الحوثيين والمخلوع صالح في الكويت مع وفد الحكومة الشرعية لفترة قياسية من الزمن، هو تضييع وقت وإهدار مزيد من الدماء اليمنية البريئة. والحالة اليمنية هي حالة عبثية كل يوم تزهق فيها أنفس وتسيل دماء، ومعظم الشعب اليمني نتيجة لذلك يقع تحت خط الفقر، ويحتاج لمساعدات انسانية كبيرة لإخراجه منها.
وإيران تلعب دور إشعال الحريق كما اعتدناها منذ بدايات الثورة الإيرانية عام 1979م وإلى اليوم وإلى الغد، بينما في المقابل تقوم المملكة بدور اطفاء الحريق وهذا نهجها في السياسة الخارجية للمملكة، فلم تفتعل المملكة مطلقا منذ إنشاء دولتها الحديثة قبل حوالي مائة وعشرين عاما أي نزاع أو تشارك في زراعة صراع أو تختلق ظروفا تؤدي إلى صراعات في الجوار أو في المنطقة.
وهذا ديدن السياسة السعودية على مر العقود، وهذا نهجها وتفكيرها.
وإذا نظرنا إلى خارطة المنطقة سنجد أن إيران تتربع على قائمة المشعلين النار في مختلف الدول، فلبنان منذ عقود وحزبها هناك (حزب الله) يحاولان أن يفرضا أمرا واقعا على السياسة اللبنانية، وتقوية حزب الله إلى درجة أن يكون دولة داخل دولة هدفه تخريبي للدولة والمجتمع اللبناني، وتمزيق الوحدة الداخلية للكيان السياسي، وهذا ما يحدث اليوم، فلا الحكومة تجتمع لتتابع أمور الناس والمجتمع والدولة، ولا برلمان يتفق على تسمية رئيس الجمهورية.
والوضع في لبنان هو كارثي بكل المقاييس، ولو طلبت إيران من حزب الله أن ينضوي تحت مظلة الدولة اللبنانية لفعل ذلك رغما عنه، ولكن حزب الله يخضع لأوامر قم وسياسات طهران، ولهذا لن يكون هناك حل في المستقبل المنظور إلا إذا غيرت إيران سياستها التوسعية في المنطقة.
والعراق إرادته إيران أن يكون تابعا لها حكومة وجيشا وفكرا وممارسة وسياسات، وكان الرئيس السابق صدام حسين يقف ضد التوسع الإيراني في المنطقة، ولكن بعد رحيله وارتكابه أخطاء فادحة بحق دولة شقيقة مثل الكويت، تحقق لإيران حلمها في أن تخضع العراق لإرادتها، وتصبح في فلكها الطائفي والسياسي والعسكري.
ودخول إيران أدى إلى تقسيم العراق، ووجود إيران في العراق خلق ظروف نشأة وتواجد داعش، فقد ظهرت واستولت على المدن العراقية في عهد المالكي الذي أراد أن يحقق إجراءات تأديبية لخصومه السياسيين ولشرائح السنة في العراق.
أما سوريا، فتراها إيران حليفا استراتيجيا لها في المنطقة ويجعل من سوريا ممرا لإيران إلى البحر الأبيض المتوسط، وهذا الذي جعل إيران وتوابعها (حزب الله وفصائل عراقية ومرتزقة من مختلف الدول) تحت التجييش الإيراني وعلى حساب الميزانية الإيرانية.
وهذا ما أدى إلى تفاقم الأزمة السورية، فقرار بشار الأسد ليس بيده، ولكن بيد إيران ومخططي التوسع الفارسي في المنطقة.
وإيران بحكم علاقتها الإستراتيجية مع روسيا استطاعت أن تقحم روسيا في خضم هذه الأحداث في غياب أو تغايب من القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وهناك مغامرات لإيران في مملكة البحرين التي تعدها مقاطعة إيرانية، وتحاول على مر السنوات الماضية أن تزرع الفتنة وعدم الاستقرار في هذه الدولة، وتعمل من خلال عملائها على افتعال مشاكل وخلق بلبلة في الجسد البحريني.
كذلك لإيران مغامرات أخرى في دول أخرى عربية وإسلامية في المنطقة وفي أفريقيا وغيرها.
وبالنسبة لليمن، فهي تحضر لسيطرة الحوثيين من أكثر من عقد من الزمن، فقد استضافت قادة الحوثيين السياسيين والعسكريين لزرع الخطط في فكرهم ولتدريبهم على ساعة محددة ينطلقون منها إلى بعثرة السياسة اليمنية والهيمنة على مجرياتها، وهذا ما كانت تقصده إيران من كون صنعاء هي العاصمة العربية الرابعة التي تقع تحت سيطرة إيران، بعد دمشق وبغداد وبيروت.
والحوثيون حاليا في اليمن ومعهم أنصار المخلوع علي عبدالله صالح يسيرون الأمور حسب المخطط الإيراني، وتضع إيران لهم خططهم التي يسيرون عليها، فهم يحاولون اختراق الحدود السعودية منذ بداية هذا النزاع الأخير في محاولة ليس لنصر عسكري ولكن لزرع انتصارات وهمية لهم في حربهم، كما أن إرسال المقذوفات الحوثية على المدن السعودية مدارس ومساجد وأسواق وطرق ومنازل مواطنين هو محاولة فقط لحصد انتصارات إعلامية ليس لها جدوى على أرض المعركة.
وأخيرا، فيجب أن تتصدى دول المنطقة لإيران من خلال المحافل الدولية وتحميلها مسئوليات القتل والتدمير والخراب والصراعات في المنطقة، ولا بد أن يدخل القانونيون الدوليون في مثل هذه المعركة التي تحمل إيران مسئولية جنائية وسياسية وأخلاقية على ما تفعله في المنطقة.