د. محمد عبدالله العوين
يغفل نفر قليل منا عن أننا نعيش «حالة حرب» ويغيب عن بالهم ما تستدعيه الحرب من نتائج وما تفرضه من جهود وما يترتب عليها من تبعات وما يتداخل معها أيضًا من أقاويل وشائعات يبثها المغرضون والمندسون لتحقيق شيء من نتائج الحرب لصالح العدو!
نحن الآن غيرنا منذ عام ونصف!
فقد طرأت طوارئ أخرى مختلفة في شمال بلدان العرب وجنوبها، واتسعت مساحة الحرائق المقصودة التي أشعلت في المنطقة منذ عام 2011م وأريد لها عمدًا أن تتوسع وتمتد وفق مخطط تآمري دولي وإقليمي، فتترك سوريا مثلا تحترق عمدا؛ بل تصعد وتيرة الصراعات فيها كي لا تخمد نيرانها الملتهبة لتحقيق أهداف بعيدة مخطط لها، منها تفتيت بنى الدول العربية السياسية والدينية والشعوبية، وتقسيمها إلى «كانتونات» صغيرة ليس لها دور ولا تأثير على المستويين الإقليمي والدولي، بحيث تكون تابعة لهيمنة قوى جارة كإسرائيل وإيران ولا تشكل خطرًا إسلاميًا أو قوميًا على الحضارات الغربية أو الشرقية؛ كما كان ذلك تاريخيًا في عهود ازدهار الأمة العربية الإسلامية، فيكون وأد الأمة وأدًا نهائيًا - حسب الطموح والتخطيط الغربي - فلا تعود من جديد تلك الخارطة الإسلامية القديمة التي كانت تشكّل نصف الكرة الأرضية.
نحن الآن منذ عام ونصف مختلفون كل الاختلاف عن الفترات الزمنية السابقة لها؛ فقد استجدت أمور كثيرة تنذر بخطر قادم على ما تبقى من دول المنطقة ممن لم تمتد إليها الفوضى بعد؛ ولذا تنبهت قيادتنا - وفقها الله وأعانها وحماها - إلى الأخطار المحيطة القريبة منا شمالا وجنوبا، وهيّأت كل ما يلزم من استعدادات عسكرية ومالية وتحالفات عربية وإسلامية لمواجهة ذلك والتصدي له؛ بل استبقت الأحداث قبل أن تقع على حدودنا الجنوبية وكسبت المبادرة قبل أن يختطفها العدو؛ فكانت دولتنا السباقة إلى إفشال المخطط الصفوي الفارسي المجوسي في اليمن متكئًا ذلك المخطط اللئيم على تواطؤ من بعض الدول الكبرى التي تلعب لعبتها المكشوفة لا مع الصفويين في العراق وسوريا ولبنان فحسب؛ بل حتى مع الحوثيين والمخلوع علي عبد الله صالح.
ونحن نعيش «حالة حرب» سننتصر فيها قريبا بإذن الله تعالى وبتأييده لحماة بيته ومسجد رسوله وخدمة المسلمين في كل مكان؛ وعلى الأخص منهم الحاجين والمعتمرين؛ من الطبعي أن تتغير بعض الأمور في حياتنا المعيشية والتنموية، وأن يحدث تحول يتناسب وهذه الحالة؛ فللحرب مقتضياتها وانشغالاتها وتكاليفها، وللحرب أيضا تضحياتها بالأرواح وبالدماء دفاعا عن العقيدة والوطن والحرمات، وهو ما أثبتته بطولات أبناء هذا الوطن الأوفياء الذين يقدمون أرواحهم رخيصة للدفاع عن بلاد الحرمين الشريفين، وليس هذا بغريب على أبناء التاريخ العربي والإسلامي المجيد؛ فهم سلالة أولئك الأبطال الفوارس الفاتحين الذين قادوا الجيوش العربية والإسلامية إلى أقصى الشرق وأقصى الغرب.
وليس المال بأغلى من الأرواح؛ فكما يقدم أبناء هذا الوطن العزيز أرواحهم ودماءهم تتحمل المملكة أيضا بالإضافة إلى ما يقدمه مجاهدوها الأبطال من تضحية وفداء تكاليف مالية هائلة على الجبهات؛ في شمال المنطقة العربية من أجل إفشال الهيمنة الصفوية، وفي الجنوب لاستكمال تحرير اليمن وإنقاذه من السقوط تحت الاحتلال الفارسي الملتحف بعباءة طائفية حوثية غبية خائنة.
تنهض المملكة بهذه الأدوار التاريخية العظيمة بتعاون وتوافق مع أشقائها العرب والمسلمين دون ضجيج إعلامي صاخب؛ ولكن - أيضا - دون تفسير سياسي وإعلامي واقعي يليق بهذه الأدوار التاريخية العظيمة ويقنع المشككين ويرد على من تلبست أعينهم بغشاوة أو من ترصدت لهم الأبواق الإعلامية المضادة وتصيدتهم وأوقعتهم في حبالها.
وبقراءة سريعة لنسق عدد من « الهاشتاقات « التي أطلقها بعض أولئك ممن اختطفت بصائرهم نجد ضعف الوعي السياسي بالأدوار التاريخية التي تنهض بها بلادنا حاضرا في كثير من ردود تلك الهاشتاقات التويترية.
وقد يكون بين كتبة تلك الردود من لم يستوعبوا الحالة الحربية التي نعيشها، أو من لم يعوا قيادة دولتنا الأمة العربية والإسلامية في هذه المرحلة المصيرية، وهذا قدرها التاريخي؛ ولكن مما لا شك فيه أيضا أن بين تلك الردود عدداً كبيراً جداً، ربما يكون هو الأعظم صادرا من أسماء رمزية أو منتحلة بأسماء سعودية دخلت في الهاشتاقات لإثارة الاحتقان والبغضاء والكراهية، ولإحداث فرقة واختلاف بين رؤية القيادة والشعب.
واللبيب يعلم كل العلم من ينتحل تلك الأسماء أو الألقاب التي قد تتسربل بمسمياتنا أو قبائلنا للوصول إلى أهدافهم الرديئة؛ فالمتربصون بنا والمنتظرون أية بارقة لاختلاف بيننا كثيرون؛ من صفويين وطائفيين وحزبيين وخونة متمردين ناقمين، وهم الكثرة الكاثرة ممن يحشد ويحقن ويهيج، ولهم قيادات ومنظمون، ولهم غرف ومكاتب ورواتب ومكافآت، وبعض أبنائنا لا يدركون ذلك، وربما يطير بعضهم مع المهيجين في العجة؛ فيعقب ويزيد الطين بلة، دون أن ينظر إلى ما يمكن أن يحدثه تداخله مع تلك الهاشتقات من تأثير معنوي سلبي على مشاعر من لا يدركون ما وراء الأكمة من تخطيط وتدبير لئيم.
إن أولئك المندسين بيننا المدعين انتماءهم إلينا المرتدين بزتنا والملتحفين بأسمائنا هم الطابور الخامس الخائن الذي يجب علينا الحذر منهم والتنبه لمهامهم الخسيسة؛ وبخاصة في حالة الحرب والفوضى التي تلف المنطقة العربية كلها.
حفظ الله الوطن، وأعان الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على قيادته الحكيمة سفينة الوطن والأمة؛ للوصول بها إلى بر الأمان.
ملحوظة : أعتذر منكم أيها الأعزاء عن الانقطاع عن الكتابة بدءاً من يوم السبت 24 ذي القعدة إلى أواخر شهر ذي الحجة؛ للتمتع بإجازتي السنوية.