هدى بنت فهد المعجل
أشار تننزين غياتسو أنه يمكن تحقق السلام للعالم من خلال السلام الداخلي فإذا توصّل الفرد للسلام داخل نفسه، توسّع السلام ليشمل عائلات مجتمعه ثم ينتهي المطاف إلى العالم بأكمله، حيث إن السلام في تكويننا العقلي والروحي مع ما لدينا من الكفاية المعرفية والفهم تمكننا من الحفاظ على قوة النفس في مواجهة الخلاف والتوتر مع الآخرين من حولنا بالتالي ننعم بالسعادة وننعم بالرضا.
لاشك أن تحقيق السلام الداخلي وتحققه لا يتأتى لنا بسهولة ما لم نكن قادرين على الحصول على بعض من طرق الوصول إلى السلام، والتي منها تركيزنا على الأشياء والسلوكيات التي تساعدنا في المحافظة على صحتنا وحياتنا، كممارسة التمرينات الرياضية، وارتداء حزام الأمان أثناء قيادة السيارة، ووضع خوذة الرأس أثناء قيادة الدراجة، واستخدام كريمات الجسم الواقية من الشمس للمحافظة على جلدنا، بجانب عمل الفحوصات الطبية بصورة دورية. أما بالنسبة لأمور الحياة الخارجة عن إطار سيطرتنا، فنتوكل على الله فيها، وبالنسبة للأشخاص الذين في حال إدانة دائمة للآخرين، والقلقين كأنهم بوضعهم هذا يغلقون الباب في وجه سلامهم الداخلي، حيث قلما نرى على وجوههم الابتسامة خلاصة الشعور بالرضا والرغبة في التقرب من الناس والبعد عن الجدال والنقاش الدائم معهم، بالإضافة إلى اقتطاع عدة دقائق من الوقت من أجل تنفس الحياة بالاسترخاء والتأمل أو المشي على الشاطئ لاستعادة توازن الروح والتناغم مع الحياة الجميلة، كما وأن الشكر الدائم لله ثم للأشخاص وللأشياء والكائنات جميعاً طريق من طرق تحقيق السلام الداخلي يشعرنا بالسعادة، فإذا لم نشعر بها نتظاهر أمام الناس بأننا سعداء بالتالي «لا إراديا» سنشعر بها فعلاً، مع الحرص على عيش الحاضر أخذاً بقول أحدهم: «دعونا لا ننظر إلى الخلف بغضب، ولا للأمام بخوف، ولكن لننظر حولنا بوعي وحذر».
قال مارتن لوثر كينج: «الظلام لا يقدر أن يطرد الظلام. النور وحده هو القادر على ذلك. والكراهية لا تقدر أن تطرد الكراهية. المحبة وحدها القادرة على ذلك». علماً بأن البقاء أطول وقت ممكن في المنزل من شأنه أن يسلب منّا بعضا من السلام الداخلي، حيث إن قضاء وقت خارج المنزل هو العلاج للأمراض والمتاعب النفسية إذا ما مشينا أو تنزهنا أو صعدنا ونزلنا وتسلقنا، نعود بعدها بروح غير الروح التي خرجنا بها. أيضاً للعناية بالنفس دور في السلام الداخلي عندما يعتني الإنسان بهيئته وشكله وبصحته بطعامه وشرابه بالرياضة وبالوقت الكافي من النوم والراحة مع الإيمان بالمحبة والانتصار كما قال غاندي: «عندما أشعر باليأس، أتذكـَّر أنه على مدار التاريخ انتصر الحق والمحبة دائمًا. كان هناك طغاة ومجرمون ينالون الانتصار لفترة قصيرة، ولكن في النهاية سيُهزمون. فكـِّر في هذا دائمًا». وفي تعلّم قول «لا» طريق من طرق السلام الداخلي فالإنسان لا يستطيع كل شيء بالتالي تحمل المسؤولية فوق الطاقة والقيام بكل شيء والموافقة على كل طلب يعكر المزاج وصفو الحياة بينما «لا» تتولى ضبطه وإحداث التوازن والتناغم. من نقول لهم لا للذي هو فوق طاقتنا لا يستطيعون تقديم السلام الداخلي لنا، وحدنا نستطيع ذلك عندما نملك مواجهة الحياة والناس والنفس قبلهم جميعاً. ونكون متفوقين في تحقيقه منتصرين عندما نتمكن منه وننشره داخلنا بينما خارجنا عالم مضطرب بسبب التطور السريع وجهل المستقبل. قد ينعدم السلام عند أهل العلم والثقافة ويخرجهم منه جلسة الصمت مع النفس، فقد قرأت عن أستاذة جامعية معروفة، كانت تعيشُ حالةَ انعدام السلام الداخلي. بعد الصمت والإصغاء إلى نفسها، اكتشفت وجود شخصيتين: الأولى شخصيةُ مراهقةٍ خجولةٍ ذكيةٍ ترفضها ولا تحبها, والثانية شخصيةُ أستاذةٍ ناجحةٍ ناضجة، وهنا حدث تزاوج بين الشخصيتين حتى تم الوصول إلى التصالح مع التاريخ النفسي لها. فالتصالح مع النفس ماضيها وحاضرها ومستقبلها ومع المجتمع والناس والعالم طريق ميسر لتحقق السلام وتحقيقه لك لنفسك حيث لا يملك أحد تحقيقه لنا سوانا.