د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
اشترك في الدورة الأولمبية هذا العام أحد عشر رياضيّاً سعودياً رشحتهم اللجنة الأولمبية. من هذا العدد لم يفز أحد بواحدة من ميداليات الفوز. ولا مفاجأة في ذلك. فإن مقوّمات الفوز أصلاً غير موجودة. ومسؤولية ذلك لا تعود إلى اللاعبين، بل إلى الأجهزة المناط بها إعداد اللاعبين وإلى ثقافة المجتمع. ولست أعني مسؤولية الفوز في حد ذاته، بل مسؤولية إعداد اللاعبين الممتازين الذين يمكن أن يفوزوا. ولو بحثنا عن مقوّمات الفوز لن نجدها موجودة بالقدر الكافي، فإن كل درجة من درج سلّم المقوّمات التي يصعد عليها اللاعبون ليتميّزوا تعاني وهناً على وهن، ممّا تتقلّص معه فرص المنافسة على البطولات.
- والدرجة الأولى في هذا السلّم تمثّلها ثقافة المجتمع. مجتمعنا ليس كارهاً للرياضة البدنية. كنّا كيافعين نمارسها لمتعة المنافسة والترفيه (السباحة، المطارحة، الطجنة، الطابة...الخ). أيضاً الرياضة الجادّة لم تكن غريبة على المجتمع منذ مئات السنين (علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل - أو كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه). كان الغرض هو الحض على تربية الشباب ليكونوا رجالاً أقوياء قادرين على مشقة طلب الرزق ومقاتلة العدوّ. وكان العرب يُجرون سباقات الخيل وبها يتفاخرون. وكانت متعة المنافسة والتربية على الرجولية والتفاخر تمثل حوافز اجتماعية، لكن تأثيرها قلّ الآن. فمتعة التنافس حلّ محلها لعب وألعاب الإنترنت ومشاهدة التلفزيون، والرجولية لم تعد مطلوبة في حقبة الطفرة وليونة العيش، والفخر حلّ محله التعصب للأندية. المجتمع صار ينظر للرياضة الحديثة بتحفظ، فلا هو رفضها ولا هو استوعبها في ثقافته - ربما لأن الكبار لم يألفوها، وهي تُمارس بعيداً عنهم في المدرسة والنادي، أو لاعتبارها مجرد ألعاب للترفيه والمتعة بين الشباب اليافعين لا تهمّهم مثلما يهمّهم نجاح أولادهم. بدون الحوافز الاجتماعية لا يمكن أن يكون الاهتمام بالرياضة جزءاً من ثقافة المجتمع، مع أنه هو الأساس لبناء جيل رياضي في سنٍّ مبكرة يكون فيها الطالب متقبّلاً لتوجيه أهله وفرحاً برضاهم وتشجيعهم عندما يمارس الرياضة. إن إيجاد حوافز اجتماعية يتطلّب توعية مكثّفة تنقل مفهوم الرياضة من لهو وتسلية إلى مفاهيم حيوية مجدية. كالمفهوم الصحي من حيث مكافحة البدانة وحفظ الصحة؛ والمفهوم التربوي من حيث الانضباط والتزام الوقت وانتظام التدريب، وجذب اهتمام الشاب منذ صغره إلى أنشطة إيجابية نظيفة تقوّي ثقته بنفسه وقدراته وتزيل شعور الملل والفراغ؛ ومفهوم أخلاقي من حيث التعامل الودّي مع الشخص الآخر المنافس والسلام عليه ، وتقبّل نتيجة المنافسة بروح رياضية؛ ومفهوم تعليميٌ.
- أما الدرجة الثانية فتمثّلها المدرسة فإنه ما لم تكن الرياضة جزءاً من المنهج الدراسيّ الصفّيّ واللا صفّيّ تُرصد له درجات وتزيد المعدّل فهي لن تجذب اهتمام الطلاب ولا أولياء أمورهم - وهم جسم المجتمع. من جهة أخرى فإن ملاحظة مهارات الطلاب من خلال ممارسة الأنشطة الرياضية وتنميتها وتنظيم مسابقات محلية، والتقاط الموهوبين وتعهّدهم بالتدريب والمشاركة في إطار تعاون منظم مع الأندية واتحادات الرياضة - كل ذلك سيوجد قاعدة عريضة من الرياضيين الموهوبين، بالمئات أو ربما الآلاف المؤهلين للدخول في مسابقات على مستوى المناطق ثم المستوى الوطني ثم أعلى من ذلك. وكل مستوى يفرز مجموعة كبيرة من المتميزين. هذا إذا لم ينحصر تشجيع الرياضة الطلابية في مدارس محظوظة بإمكانيات جمّة - كما هو مُلاحظ حتى الآن. أمّا بعد إنشاء الاتحاد السعودي للرياضة المدرسية فإن تطوير هذه الرياضة صار شأناً وطنياً يعُمّ كلّ المدارس.
- الدرجة الثالثة: الأندية والاتحادات.
- والرابعة: الهيئة العامة للرياضة.
عند هاتين الدرجتين أقف. فصفحات الجرائد والإنترنت زاخرة بالتقارير والتصريحات التي تشكو من ضعف الاهتمام بالألعاب الجماعية - ما عدا كرة القدم (المدلّعة فعلاً) - وألعاب القوى وضعف ميزانيات الاتحادات وكثرة مشكلاتها الإدارية وضعف إمكانات الأندية. مثلاً ذكرت الكاتبة سلمى بو حسين (الشرق في 10-11-1437هـ) أن ممّا يعيق رياضيّينا عن التقدّم التأثير المثبط لثقافة مجتمعنا تجاه مفهوم الرياضة وافتقارنا إلى المدربين المهرة، وإلى الدعم المادي الرسمي الذي يساعد الرياضيّين في التفرغ للتدريب وفي نفقاته والمشاركة في المعسكرات والمباريات. وفي مقابل هذه الشكاوى فإن هيئة الرياضة تبنّت في برنامج التحول الوطني - حسب تقرير نشرته صحيفة الجزيرة في 15-11-1437 هـ - أهدافاً ومبادرات جيدة ركّزت فيها على زيادة نسبة أفراد المجتمع الممارسين للأنشطة الرياضية ، وعلى تطوير حصص الرياضة المدرسية ومدرّسيها، وزيادة برامجها الخارجة عن أوقات الدراسة، وتوظيف أندية الهيئة لخدمة المشاركة المجتمعية. فعسى أن يتزامن الاهتمام بمشاركة المجتمع مع تطويرالرياضة المدرسية ومع تطوير وضع الأندية والاتحادات بنفس القوة والتنظيم لكي تحصل النهضة الرياضية التي تضمن لنا إفراز رياضيّي النخبة الوطنيين. والخلاصة أن الرياضة عندنا لا تنهض بدون قيام الهيئة بإصلاح شامل متزامن لجميع درج السلّم.