فوزية الجار الله
من أجمل القنوات التلفزيونية وأكثرها ثراء وعمقاً قناة الجزيرة الوثائقية، لو شاءت لك الظروف وكنت من متابعيها فسوف يدهشك ذلك الكم الهائل المجنّد لإعداد وإنتاج تلك البرامج الثقافية والعلمية التي تمثل في مجملها أبحاثاً ميدانية موثقة لكثير من القضايا الهامة.
في الأسبوع الماضي شاهدت برنامجاً رائعاً تحت عنوان «عندما نفقد الذاكرة» يبدأ البرنامج بمشهد لشاب بريطاني يجري أبحاثاً حول الذاكرة، وها هو في زيارة لأحد المراكز الصحية الهامة في ولاية أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يضم مجموعة من الأفراد يعانون فقداناً للذاكرة إما بسبب الزهايمر أو لأسباب أخرى، بسبب حوادث معينة وإما بسبب اختلال في خلايا المخ -حفظ الله الجميع-.
يبدو الشاب لطيفاً هادئاً مبتسماً وهو يتواصل مع هؤلاء الأشخاص في محاولة لفهم أحوالهم والكيفية المثلى للتعامل معهم.
أدهشتني حالتين واحدة لامرأة بدأت تعاني فقدان الذاكرة وهي في بداية الأربعينات لأسباب مرضية وهي تعيش مع زوجها وطفلتها البالغة من العمر تسعة أعوام، وقد بدت في حالة قلق وارتباك كلما تم سؤالها عن أمر ما ووجدت نفسها لا تتذكره، لكن زوجها وابنتها يبذلان مجهوداً كبيراً في محاولة للتخفيف من تلك المشاعر السلبية التي تنتابها كلما أدركت بأنها بدأت تفقد الذاكرة تدريجياً.
الحالة الثانية: حالة رجل وزوجته يعيشان معاً ولم ينجبا أطفالاً، المرأة في التاسعة والثمانين من عمرها وقد أصيبت بمرض الزهايمر، زوجها يبدو مقارباً لها في العمر لكنه يتمتع بذاكرة جيدة وقد بقي ملازماً لها، يرعاها ويهتم بها فهي إنسانة عزيزة جداً لديه ولها حق عليه..
وها هو يحتويها ويهتم بها وكأنما هي جزء لا يتجزأ من روحه، وأثناء حديثه مع الشاب الباحث لا يكف عن احتوائها وتقبيلها من جبينها.. شعرت بأني أصبحت قاب قوسين أو أدنى من دمعة أغالبها وتكاد تغلبني، فقد كان المشهد مليئاً بالشجن، يجعلك تتساءل أي إنسانية يحملها هذا الرجل بين جنبيه؟! حيث قال في معرض حديثه بأنهما متزوجان منذ واحد وستين عاماً وأن بينهما قسماً بأن يبقيا معاً إلى آخر العمر، وهو بذلك يحافظ على هذا العهد، يناضل ويجاهد في سبيل البقاء إلى جانبها، وقد وضع بطاقة صغيرة على صدره تحمل اسمه ، فهي تنسى اسمه أحياناً وهذا الإجراء يساعدها على تذكره حين تلقي نظرة إليه، وبغض النظر عن فقدان الذاكرة يبدو أن هذا التقدير والاحترام الذي يصل إلى درجة عالية جداً من قبل الرجل للمرأة، هو ما تحتاجه معظم النساء إن لم يكن جميعهن، تريد المرأة رجلاً يقدرها في كافة أحوالها، في ضعفها ومرضها تماماً كما هو الحال أو أكثر في حالة تمتعها بالصحة والجمال والعافية.