عبد الله الصالح الرشيد
منذ عامين تقريباً غاب عن ناظري أعز إنسان، ورحل إلى دار البقاء والخلود أغلى ما أملك في حياتي والدتي الحنون، وعشت بعدها مع الأيام أنتظر حتى يبرد الجرح وتجف الدموع وتهدأ المشاعر، حيث عشت أنا ومعي أفراد أسرتي أبنائي وبناتي وإخواني وأخواتي في حالة وجوم وحزن لا يفارقنا وجهها الطاهر المضيء.
أعدّ الليالي ليلة بعد ليلة
وقد عشت دهراً لا أعدّ اللياليا
لقد حال هول الفاجعة عن الكتابة عنها ورثائها في حينه، وخفف عن مصابنا جموع المشيعين لها وتكاثر المعزين بها، الذين غمرونا بفيض مشاعرهم الرقيقة الحانية والكثير منهم توافدوا من أنحاء الوطن أيام العزاء يدعون لها بالرحمة والغفران، ويرجون أن يلهم الله الجميع بفقدها الصبر والاحتساب والسلوان، وكل ذلك لطّف من لوعة الفراق وخفف من حرقة الفقد.. جزاهم الله عنا خير الجزاء.
لقد كانت - رحمها الله - في حياتنا فأل خير وطالع سعد لوالدي مثال الزوجة الصالحة والإنسانة المخلصة، وكانت لأبنائها وبناتها وأحفادها الحضن الحنون والأم الرؤوم، كان والدي - رحمه الله - منذ نشأته وحتى بلوغه الستين من عمره يسعى في الأرض لطلب الرزق في التجارة داخل المملكة وخارجها في الكويت والعراق وسوريا وفلسطين، وكنا نشاهد ونحن صغار في بواكير طفولتنا والدتنا وهي تودعه وتدعو له، وعند عودته نستقبله جميعاً بالبشر والترحاب، ونحيل المنزل إلى واحة وارفة يرتاح فيها بعد وعثاء السفر وهموم الحياة، وفي أواخر سنين عمره في ذروة الشيخوخة، كانت تحيطه بالدعاء والعناية والسهر على راحته، وتهوّن عليه متاعب الشيخوخة والكبر، أما أفراد الأسرة الأولاد والبنات والأحفاد، فهي الأم الحانية والراعي الأمين تلم الشمل وتغرس فيهم قولاً وفعلاً، محبة التواصل والتعاطف والتراحم وتحبب لهم فضل أعمال البر والإحسان.. تغتنم وتسعد بالمناسبات تلو المناسبات، فتغدق على الجميع الهدايا وتنفحهم بما تجود به وبما يعينهم على قضاء حوائجهم وتيسير أمورهم ولم تنس ما يحيط بها، فقد كانت - رحمها الله - بارة بنساء الجيران وفيّة لصديقاتها وقريباتها، تتابع أخبار من تغيب منهن وتهنئها عند رجوعها بسلامة الوصول، وتعود المريضة وتواسيها وتدعو لها بالشفاء، وكانت لا تغفل عن عون الفقراء والمحتاجين وتفريج كربة المكروبين.
هكذا كانت سيرة والدتي العزيزة (هياء بنت عبد الله السليمان العايد)، غفر الله لها وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة، وجمعنا بها والمحبين لها في دار كرامته ومستقر رحمته إنه جواد كريم.