غسان محمد علوان
تداول الكثيرون منا الخطاب الذي وزَّعه نادي فولهام الإنجليزي على السكان المحيطين بالملعب، والذي ذكر فيه اعتذارًا لسكان الحي عن الإزعاج والمخلفات التي سببها حضور لقاء السوبر السعودي بداية هذا الشهر. الخطاب تضمن أيضًا هدية لسكان الحي، تخولهم حضور أحد لقاءين للفريق أمام كارديف سيتي أو بورتون ألبيون في منافسات التشامبيونشيب (ما يعادل الدرجة الأولى لدينا؛ إذ يلعب نادي فولهام حاليًا بعد هبوطه من البريميير ليق).
بالتأكيد، إن الخبر مزعجٌ لنا جميعًا، ليس لأننا أغضبنا الإنجليز، أو كدرنا صفو تقاليدهم الكروية المنضبطة على الدوام. ما أزعجنا حقيقة أننا كنا ننشد ترك صورة جميلة، وأثرًا رائعًا، لا يمكن أن يتركه أبناء مهد كرة القدم؛ لذلك يجب أن تتوقف حملة جلد الذات، والتقريع المستمر لأنفسنا، ونضع الأمور في نصابها، ونتمنى الأفضل مستقبلاً، إن كُتب لنا تكرار التجربة في إنجلترا أو غيرها من دول العالم. جميعنا لاحظنا جمال منظر المشجعين بمختلف ميولهم في الملعب، وكيف كان الهلالي يجلس بجوار الأهلاوي بكل تحضر ورقي، بل شاهدنا أيضًا مشجعين من أندية أخرى غير تلك التي تلعبها فرقها على أرضية الميدان؛ فلم تحدث مشاجرات قبل أو أثناء أو بعد اللقاء، أو حتى عند تسجيل أحد الفريقين هدفًا، ولكنها في آخر المطاف كرة قدم، وصخبها وحماستها من الطبيعي أن يحضرا معها. ومن الطبيعي أيضًا أن تلاحظ في حي سكني وفي يوم عمل، لا في نهاية أسبوع.
فنحن ما زلنا نتحدث عن إنجلترا، مهد كرة القدم، ومهد الشغب الكروي الذي يصدر للعالم أجمع، ويأنف منه أي دولة تضطر أن تنظم بطولة كروية يشارك فيها المنتخب الإنجليزي بشكل خاص، أو أحد أنديتها بشكل عام. ففي إنجلترا نجد أن الهوليقنز (مثيري الشغب) ليسوا مجرد أفراد متفرقون، تأخذهم الحماسة أو التعصب لبدء القتال وتكسير الممتلكات كما رأينا في البطولة الأوروبية الأخيرة في فرنسا، بل هي كيانات منظمة، لها أفرادها وقادتها وتنقلاتها المعروفة خلف فرقها. وإن كانت منظمة الهوليقنز المشهورة بلقب TBT تعد من أقل المنظمات الإنجليزية شراسة وعنفًا، مقارنة بمنظمات الهوليقنز الخاصة بمانشستر يونايتد وتشيلسي وميلوال ووست هام؛ فهم يدعون أن تصرفاتهم دومًا تكون دفاعًا عن النفس، وأنهم لا يبدؤون إطلاقًا افتعال المشاكل التي تحصل دومًا في ملعبهم أو حول أسواره عند زيارة الأندية التي سبق ذكرها.
وعودة للخطاب الذي أسقط الدموع من أعين بعضنا على فداحة ما قام به جمهورنا في بلاد الإنجليز، فإني أرى أن الخطاب هو عبارة عن خطوة تسويقية رائعة من مسؤولي نادي فولهام لا أكثر؛ فاغتنام الأحداث نادر الحصول، وخصوصًا إذا رافقها بعض الأثر السلبي. هو قمة النجاح التسويقي وإدارة الأزمات بشكل رائع. فملعب فولهام الذي يتسع لنحو خمسة وعشرين ألف متفرج يبلغ معدل الحضور في لقاءات الفريق فيه ما يقارب السبعة عشر ألف مشجع فقط؛ ما يعني أن ثلث الملعب تقريبًا يظل شاغرًا، ولا يوجد أي مانع أن تمنح تذكرتين فقط (لكل منزل في الحي) لسد هذا الفراغ في المدرجات، واحتسابها من ضمن تكاليف التسويق، طمعًا في عودة الفريق للدوري الممتاز الإنجليزي (بريميير ليق) مرة أخرى.
نعيد ونكرر: كنا نتمنى أن نكون أكثر حرصًا على عدم إزعاج سكان الحي، وأن نترك المكان بلا مخلفات؛ فنحن نطمع بصورة رائعة، تمثل المشجع السعودي والمواطن السعودي عامة، وندعو الجميع لحسن التصرف في المرات المقبلة. والذي نتمناه أكثر أن لا نجعل من أنفسنا عرضة للتقريع والجلد في كل مناسبة، وفي كل حدث؛ فإلقاء المهملات في غير محلها هو فعل مرفوض فعلاً، ولكن إن كان في موطن لا تكاد تجد لك فيه موطئ قدم من كثرة قاذوراته الكروية وأعرافه التشجيعية الخاطئة فلن يكون في حقيقة الأمر سوى قطرة في محيط لا شاطئ له.
فلنتعظ مما حدث في الاتجاهين على حد سواء؛ فقد ملت ظهورنا جلدنا المتواصل لها بحق أو بدونه.
خاتمة...
ومن يجعل المعروف في غير أهله
يكن حمده ذمًّا عليه ويندم
(زهير بن أبي سلمى)