رجاء العتيبي
لم يأت تويتر بجديد, ولكنه كشف ما كان يحدث, ووسع نطاق المتابعة ودائرة المعرفة وفضح المستخبي, وصار الأشقياء ظاهرين أمام الملأ, بعد أن كانت شقاوتهم في دهاليز الأحياء والبيوت والعوائل.
يشبه تويتر إلى حد بعيد: جلسة العاير, جلسة المشرقان, جلسة الزلفة, جلسة الاستراحة, جلسة الشاهي والفصفص, فما كان يحدث هناك, يحدث هنا في تويتر, كل ما في الأمر أن الوسيلة اختلفت, لا أقل ولا أكثر.
النميمة والشائعات والكذب هي هي, ما كان يحدث في الشوارع هو ما يحدث فعلا في تويتر, مع فارق الشكل فقط, أما المضمون فلا يكاد يختلف, سوى الاهتمامات التي تغيرت بفعل تغير الزمن والوسائل.
الذين اخترعوا تويتر قالوا إنه (تواصل اجتماعي) ومنصات (تسويقية) وبناء (معرفي), ولكن الذين يمارسونه بشكل يومي في مختلف بقاع الأرض, لا يبدو كذلك, إنما هو مكان لمزيد من الضغوط اليومية على الإنسان, إلا من نسبة تصل إلى الربع تقريبا.
التواصل والتعارف والمنافع ذكرها القرآن الكريم يوم خلق البشر شعوبا وقبائل, وحتى يفوت فرصة النميمة والكذب والعنصرية والتفاخر عليهم, قال: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ فقطع بذلك دابر كل نية شريرة مبيتة, وبات كل عمل خارج نطاق (التعارف والتعاون والسلام) لا يعتد به إلهيا.
توتير عبارة عن علاقات اجتماعية واسعة, ومن يستخدمه خارج نطاق إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ يكون قد سار مسارات الأبالسة, ولا يستثنى من ذلك المشتغلين بالسياسة الذين يريد ضرب الدول والشعوب والمجتمعات لأهداف طائفية وحزبية وعنصرية وحركية.
القرآن الكريم جعل معيار العلاقات الاجتماعية والتعارف (التقوى) وهو مقياس ذاتي, ينبع من داخل الإنسان نفسه, وتحديدا إذا استشعر مآله في الآخرة, وتبرز قيمة التقوى في حال عرف أهل تويتر أن الانتصارات (الشريرة) ليست سوى سنوات معدودة ثم تندثر, وتأتي سنون أخرى غيرها, ويبقى أخرويا سؤال يحدد مصيره ما مقدار التقوى لديه؟ ألم يقل جل علاه إن أكرمكم عند الله أتقاكم؟
عندما أقرأ تويتر من هذا الجانب, فإني أتساءل دوما: لماذا (النفسيات) أبعد الناس عن التقوى ؟ هم أكثر الناس تناقضا, وأكثرهم كذبا, وأكثرهم شرا, وأكثرهم تفريقا بين الناس, وأكثرهم نميمة, وأكثرهم طائفية, وأكثرهم حزبية, وأكثرهم حقدا؟ أترك الإجابة لكم. فالمساحة لم تعد تكفي لأقول ما لدي.