د. حسن بن فهد الهويمل
عنوان مقالي مطلعُ الشوط الدلالي الثالث من مقالٍ يجمجم عما في نفسي, للأستاذ (خالد المالك) عن (أمريكا في الامتحان الصعب) السبت 10-11-1437هـ.
ومثلي تَنكأُ جراحَه تيك المقاربات السياسية، التي تمس مفاصل قضايانا الملتهبة:
(وَذُو الشَّوْقِ القَدِيمِ وَإِنْ تَعَزَّى
مَشُوقٌ حِيْنَ يَلْقىَ العَاشِقَيِنَا)
وكُتَّاب الرأي، وفي مقدمتهم (أبو بشار) من العاشقين لتقلبات الطقس السياسي المربك بتحولاته القارعة. وإلماماته تفيض بالحقائق, لقربه من أجواء صناعة القرار السياسي, ولرصده الدقيق لنبض الشارع السياسي.
وفي تلك الأجواء القلقة لا يكون من المهمِّ اتفاقُنا, أو اختلافُنا حول التفاصيل, فيما يتعلق بالتحولات المريبة للسياسة الخارجية الأمريكية. إذ من الخير أن نختلف, حتى نتمكن من إتيان الظواهر من أطرافها، وحتى يكون المتلقي أمام خيارات متعددة.
و(حريةُ الرأي) المتاحة مدعاةٌ لتوسيع هوة الاختلاف الإيجابي، الذي يمنح غرف العمليات السياسية مجالات واسعة للاختيار, والمفاضلة.
نحن جميعا في خندق واحد، وعلى ظهر سفينة واحدة. وهدفنا كافَّةً درء المفاسد, وجلب المصالح لوطن يستحق منا التفاني في سبيل حمايته, ودعم قادته, لمواجهة المخاطر التي تحدق به، ومحاصرة اللعب السياسية التي تحاك لمشرقنا, وكف الأيدي النهمة المتداعية على قصعة إمكانياتنا. وهو ما حذر منه من لا ينطق عن الهوى.
وأَقْومُ القِيلِ أن نحتوي الخصوم ما أمكن ذلك, أو أن نحيدهم - على الأقل -, مع تهَدِّئة الروع في لحظات الاحتدام. فصناعة الأصدقاء أفضل من نسف جسور التواصل.
ذلك أن تصعيد الاستياء من تخليات حُلَفَائِنا, ومقترفاتهم في المنطقة ليس من مصلحتنا, متى استطعنا الحمل بالرفق على استبانة الرشد, مع أنه لا مجال للسكوت بعد الآن.
أمريكا - شئنا أم أبينا - تمارس العد التنازلي, للخروج من دائرة الأهمية, وهذا التحول يُحَمِّلنا تبعات كثيرة، لأنها حليف (استراتيجي), ولدينا معها مصالح متعددة، ومعاهدات تمتد من عهد المؤسس. وهي الخيار الأمثل في قائمة الأصدقاء.
وممارساتها المحبطة، تمثل التحدي الكبير، لأننا - والحالة تلك - مضطرون إلى إعادة ترتيب أشيائنا كلها.
وهذا سيكلفنا عناء التغيير, في ظروف لا تحتمل المزيد من الأعباء. حتى لغة الخطاب تحتاج منا إلى شيء من التنقيح، لتمرير رؤيتنا دون إزعاج.
ومصلحتنا حيث تكون أمريكا قويةً، عادلةً، وفيةً بعهودها, ومواثيقها، بعيدةً عن استدراج المنطقة إلى بؤر التوتر, من حيث تعلم، أو لا تعلم.
لقد جاءت فترة (آل بوش) المشؤومة, تحمل معها (أجندة كيسنجرية). وما كنا نسمعه من إشاعات حول تآمر المؤسسات الصهيونية, ورجالاتها المغروسين في مؤسسات السياسة الأمريكية، كنا نحاول كتمانه, أو التقليل من أهميته, مع أن ما يدور في (الكواليس), وينفذ على مسرح الأحداث يعكس النوايا غير المريحة.
لقد سمعنا بـ(شرق أوسط جديد), يعيد بأسلوب عنيف اتفاقية (سايكس بيكو),على أساس عرقي، أو طائفي، يديم التوتر، والتناوش.
وسمعنا القول بأن الطريق لتحقيق هذا التقسيم, يتمثل في إشاعة الفوضى الموصوفة عند (بوش الابن) بالخلاقة.
وبالفعل بدأ التمهيد لذلك بإقحام (العراق) لتصفية ما خلفه (الشاه) من قوة ضاربة, تحولت إلى يد (الملالي) الحالمين بالعالم الثالث الشيعي.
وزاد السعار حين شَرْعَنَتْ رعونة (صدام حسين) للتدخلات العسكرية.
وجاءت الطامة الكبرى بتلفيق تهمة (سلاح الدمار الشامل), وتجنيد وسائل الإعلام العالمية، لتعزيز هذا الاتهام, وتحويله من فرية إلى حقيقة, تُخَوِّل التدخل العسكري, لتدمير العراق تحت ذريعة تدمير السلاح المزعوم.
وتولت المؤسسات، والهيئات الدولية كِبْر هذا الافتراء، وشرعنة التدمير, لا للعراق وحده، بل للأمة العربية. ورضيت أمريكا أن تكون رأس الحربة في كل ما يجري في منطقة الشرق الأوسط.
هذه الفوضى الهدامة, التي قادتها (أمريكا) باحترافية, أو باركتها على الأقل, غيرت سياستها الخارجية، وأفقدتها المصداقية، بحيث خَذَلَتْ, وأَسْلَمت الأصدقاء, والحلفاء.
لقد تحمل مشرقنا العربي مُكْرهاً نتائج المشورة المشؤومة للمتصهين الأمريكي (كيسنجر) التي قدمها للسياسة الخارجية الأمريكية, بأن يقتصر دورها على (إدارة الأزمات, وعدم حلها).
ولكنَّه لن يتحمل رمي أمريكا بثقلها في تصعيد الأزمات, والتحريش بين الأطياف, وخلط الأوراق، والتخلي عن التزاماتها مع حلفائها, وأصدقائها, وذلك بعض ما نشاهده, ونتجرع مراراته.
-يتبع -