د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
قلما تتطابق الحقيقة مع الوضع الحقيقي الذي عليه العالم، وهي تنطلق مما يتصوره البشر عن العالم وليس ما يشاهدونه بحواسهم، ولذا يتكلم الإعلاميون والسياسيون عن صنع الحقيقة وطبعها في ذهن المتلقي. وهنا تتداخل أمور كثيرة في تشكيل هذه الصورة التي قلما تعكس الواقع الفعلي. وهذا ينطبق بشكل شبه تام على صورة المملكة في الخارج التي كثيراً ما تتناقض مع واقعها الحقيقي المعاش. ومؤخراً قابلت إعلامياً أمريكياً أسلم حديثاً ذكر أنه عند قدومه للمملكة كان خائفاً بل مرتعباً، ولديه تصورات سلبية عنها، لكنه وجد واقع المملكة مختلفاً تماماً عن تصوره الذي قدم به فأسلم. وكان لي صديق أوربي عاش في المملكة خمسة وعشرين عاماً، وقال لي إنه قدم للمملكة في البداية كآخر خيار في العالم عندما ضاقت به السبل ولم يجد عملاً، ولكنه قضى معظم حياته فيها، وأحبها وأحب أهلها واعتبرها بلده الأول.وليس لدى الكاتب أدنى شك بأن صورة المملكة في الخارج يمكن تحسينها بشكل كبير على الأقل لتتطابق مع واقعها.
ويقول المثل العربي: أحببناه فأبدينا محاسنه وكرهناه فأبدينا مساوئه. وهذا ينطبق تماماً على تعامل بعض وسائل الإعلام الغربية في تغطيتها للحرب اليمنية ولجهد التحالف العربي الذي ترأسه المملكة لإعادة الشرعية فيها. فكثير من وسائل الإعلام الخارجي، ومنها وسائل إعلام مؤثرة للأسف، تجهل كثيراً طبيعة الصراع هنا، كما وتجهل الأبعاد التاريخية والإقليمية له، ورغم ذلك يكيلون اتهامات باطلة للمملكة ليس بسبب ما يجري فعلاً من أحداث بل لأسباب أخرى. وبالطبع نحن لا نبرئ أنفسنا تماماً من سوء فهم العالم الخارجي لنا لأننا اعتقدنا طيلة عقود الوفرة النفطية أن العالم بحاجة لنا أكثر مما نحن بحاجة له وتعاملنا معه على هذا الأساس.
المجهود الحربي الذي تقوده المملكة في اليمن فريد من نوعه تاريخياً، ولو وصفناه بالحرب فهو حرب نادرة جداً في تاريخ الحروب يمكن وصفها «بالحرب الرحيمة». فلم يشهد التاريخ طرفًا في حرب ما يرسل قوافل إغاثة بشكل مكثف ومستمر تشمل أغذية وأدوية إلى أراض يسيطر عليها من يحاربه وهو يعلم أن جزءاً منها قد يتسرب للعصابات التي تحاربه.
ولم يشهد التاريخ طرفاً في حرب منح حق اللجوء والعمل بحرية تامة لملايين الأفراد من شعب الطرف الآخر، بصرف النظر عن توجههم السياسي أو المذهبي، وهو يعلم أن اقتصاد بلد الطرف الآخر يعتمد عليها لحد كبير. فتعويم الاقتصاد اليمني مهم لنا كسعوديين لأنهم جزء منا. بينما عصابات الطرف الآخر تتعمد إيذاء المملكة بكافة ما تملك من وسائل من بينها إيواء الإرهابيين، وتهريب المخدرات، وقصف المناطق المدنية بأسلحة عشوائية هدفها قتل المدنيين فقط.
الواقع الذي يدفع المملكة والتحالف الذي ترأسه لهذه «الحرب الرحيمة» هو أن المملكة كانت ولا تزال تعتبر اليمن والشعب اليمني جيراناً وإخواناً وأشقاء، وتتحاشى بأكبر جهد ممكن إلحاق الضرر بهم. فعلاقة اليمن والمملكة والخليج العربي عموماً تحتمها الجغرافيا، ويعمقها التاريخ المشترك الطويل، وتصهرها اللغة المشتركة والروح القومية الواحدة. ونحن نتشاطر مع اليمن الشقيق شبه جزيرة مطوقة بالبحار من ثلاث جهات، ونتشارك معهم في تاريخ ومصير واحد، وبيننا انصهار عرقي وإثني شبه كامل، ولذلك لا يمكن أن نقدم على ما يؤذيه. وهذا ما تجهله أغلبية وسائل الإعلام الخارجية، وفشلنا نحن في توضيحه لهم. فالإعلام الغربي يعتقد أن هذه حرب تعتدي فيها مجموعة دول كبيرة وغنية على دولة فقيرة وضعيفة. ولكن الواقع يقول إن هذه الحرب هي لإنقاذ جزء من وطننا وليست للسيطرة على دولة أجنبية أخرى، والإنسان لا يحارب نفسه، ولا يؤذي جسده إذا آلمه. وهذه الحرب مع عصابات يدعمها نظام طائفي فاشي حاقد انتشر في عالمنا العرب كالسرطان ومزق كثيراً من دوله أشد تمزيق، ونشر فيها الدمار والخراب أينما حل، ونحن ببساطة لا نقبل أن يمتد ذلك لنا إذا لم تكن لدينا القدرة لإيقافه بشكل فوري في الدول الشقيقة المجاورة الأخرى التي تخلى عنها العالم (المتحضر)، ونشاهد نساءها وأطفالها يدفنون أحياء بشكل يومي.
صحف عالمية كبرى كالقارديان في 17 أغسطس وغيرها طالبت بمنع بيع الذخائر الحديثة والدقيقة للمملكة لأنها تستخدم في اليمن، والمملكة إذ تشتري مثل هذه الأسلحة الباهظة الثمن، والمكلفة لاقتصادها تهدف لتجنيب الشعب اليمني أذى الحرب وآثارها الجانبية، وإلا بإمكانها قصف معاقل العصابات ببراميل متفجرة وأسلحة دمار حارقة عشوائية كالتي تستخدمها إيران وبشار في العراق وسوريا، بل وتمد بها العصابات لتقصف عشوائياً مدننا الجنوبية.والجانب المأساوي الآخر لسوء الفهم هذا هو اعتقاد الإعلام الغربي أن الحوثي هو الجانب «المستضعف» الذي يمثل الشعب اليمني، لاسيما مع انضمام صالح له، وهم لا يدركون أن الممثل الشرعي للجانب اليمني، بقرار دولي موجود في عدن!! فليت جهدنا الإعلامي يكون بنجاعة ودقة جهدنا الحربي.