في أتون العيد المنصرم، بل ختام أيَّامه غابت (عمتي) التي منذ أن بدأت استوعب أنها ما دون العقل ووالداي يعلماننا كيف نرضيها ونداريها ولا نتجاوز معها أو نسخر منها.. إلى التي كانت للأشياء عندها مسميات مختلفة ولهجة طفولية ومشاعر صادقة، تبوح لمن تحب بحبها وتشيح عمن لا ترتاح له.. إلى التي كانت تحب كل ما يكمل أنوثتها من حُلي وزي مبهج وأدوات زينة وحناء، وتصر أن تتجمل كل حين بدون مناسبة.. إلى التي تعتب إن فاتها محفل وتحب مواطن الأفراح ومناسبات التواصل وترغب بالحضور حتى وإن لم يكن لها صلة.. إلى التي لا تخجل من أن تنادي من مسافات بعيدة لتقول (أحبك) ولا تمل من أن تكررها مراراً.. إلى التي عاشت على الفطرة الأولى ولم تشكّل قلبها الدنيا أو تغيّر عقلها.. فلم تحسد ولم تحقد أو تنم وتفسد، بل كانت (اغفلوا) أشهر كلماتها اللطيفة.. حبيبتنا وطفلتنا وأمنا عمتنا الطاهرة «عبطاء» كنتِ تخافين الموت الذي غيّب والديك وبعض إخوتك وكل أخواتك، ولم تشعري بغربة الكبير لأن الله وهبك سرعة الألفة الطفولية؛
ها أنتِ جاء دورك لتسلمي روحك لله وتشيحين بوجهك إلى «اليمين» عن الدنيا بما حملت.. ها أنتِ رحلتي كطير سلام لم تعد الأرض تليق به، ولم يعد يحتمل جسده المرض.. ها أنتِ رحلتِ وتركتِنا نتحسر على كل تأخير عن برّك.. حتى ولو كان تأخيرا عن جلب «اللبان» الذي تفضلين أو عن موعد الحناء.. ها أنتِ رحلتِ وقد قلتِ مراراً أثناء حديثنا عن الموت (بسم الله علي)؟
ها أنت «باسم الله رحلتِ وإليه سرتِ وسلّمتِ».. وبرحمة منه اختار لكِ أن يقبضك إليه في سنين مشيبك الأولى حتّى لا يطّلع على عورتك عائل أو يكلفك من السقم ما لا تطيقين.. وأما نحن فلا نقول إلا ما يرضي الله:
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى اللهم إن عمتي من رزقك وعطائك استرددتها فألهمنا الصبر وأكرمها بأن تؤنس وحشتها وتنوّر قبرها وتلحقها بالصالحين؛ واغفر لنا ما كان من تقصير جهلاً منا أو تجاوز دون قصد وارحمها.. والحمد لله من قبل ومن بعد.
- تماضر بنت فهد بن عبدالعزيز المطلق