قصدتك، يا ربّاه، والعمرُ روضةٌ
مُروَّعة الأطيار، واجمة الزهرِ
ولم أخشَ، يا ربّاه، موتاً يحيط بي
ولكنني أخشى حسابك في الحشرِ
إليك، عظيم العفو، أشكو مواجعي
بدمع على مرأى الخلائق لا يجري
هذا ما قاله الدكتور والوزير والسفير والأديب غازي القصيبي -رحمه الله- وقبل ذلك الإنسان، وقد تكلم عنه الكثير، وإنما كلامي عنه لا يقدم ولا يؤخر فهو معروف بإنسانيته وحسن أخلاقه ومبادئه التي برز فيها، وهو كما قال أ.عبدالمقصود خوجه «إنسانية غازي قصيدة قافيتها المروءة وبحرها الإنسان ومدادها النبل والكرم» وقد ترك رحمه الله رصيداً حافلاً بالإنجاز والإبداع يتناقله الأجيال جيل بعد جيل ويسجله له التاريخ, كيف لا ولعلي أورد لكم من مواقفه التي ذكرها الأديب حمد القاضي في كتابه «قراءة في جوانب الراحل د.غازي القصيبي الإنسانية» بقوله:
يروي د/ حمد الماجد - مدير المركز الإسلامي ببريطانيا - فيما نشره بمقاله ((شاهد على عصر القصيبي)) جريدة الشرق الأوسط 13 رمضان 1431هـ يقول الكاتب: (رن جرس هاتف مكتبي في المركز الإسلامي بلندن وإذا هو سفيرنا في لندن حينها الدكتور غازي القصيبي، قال لي: (للتو جئت من الكويت بعد أن كرموني هناك ومنحوني جائزة تقديرية ومبلغ ثلاثمائة ألف ريال، وأريد أن أتبرع به لصالح المكتبة التابعة للمركز، فقط أرجوك ( يبو معتصم) لا تخلي المبلغ يضيع في متاهة نفقات المركز الإدارية، أريده للمكتبة والمكتبة فقط، ولك بعدها أن تتصرف في شراء الكتب التي تريد). شكرته ودعوت الله أن يتقبل منه. طلب مني حطاب العنزي، المدير السابق لمكتب وكالة الأنباء السعودية، أن أستأذن القصيبي في نشر الخبر، فوافقت، وفي أحد لقاءاتي الخاصة بغازي نقلت له رغبة الوكالة في نشر الخبر، فحانت منه التفاتة سريعة إلي وكأنما فاجأه العرض، وقال لي: (يا حمد، يفرح الواحد منا أنه وُفّق لمثل هذه الصدقة، ثم تريدني أن أحرق ثوابها بوهج الإعلام ؟ انس الموضوع) فنسيناه، لكنه راح عند من لا يضل ولا ينسى)، ويروي الشيخ عبدالمحسن النعيم إمام جامع المزروعية بالأحساء أنه كتب لـه يطلب منه الإسهام بترميم الجامع فبعث إليه ثلاثين ألف ريال مع الإشارة إلى عدم نشر شيء من ذلك رحمه الله .
ودونكم أيضاً هذا الموقف للقصيبي مع من طلب من حمد القاضي الشفاعة له عنده فيقول حمد القاضي» إذ طلب مني صديق وطبيب فاضل كان يعمل في مجمع الرياض الطبي الشفاعة لدى معاليه لينتقل إلى وزارة الدفاع (( برنامج المستشفى العسكري )) من أجل إتاحة فرصة الابتعاث المتاحة هناك ، فكتبت لمعاليه رسالة شفاعة شخصية وبالطبع لابد أن أثني على هذا الطبيب، حيث أشرت إلى أخلاقه وقدرته الإدارية إلخ.. وبعثت الخطاب، وبعد يومين جاءني الرد من معاليه شارحاً على خطابي: ((أخي: ما دام د/ فلان بهذه الصفات فكيف تريدني أن أوافق على نقله)). فأفدت الصديق الطبيب بشرح معاليه، وكان رده: ((ليتك يا حمد لم تشفع لي)) وحتى الآن كلما التقيته ذكرني بهذه الشفاعة الفاشلة لكن د/ غازي - رحمه الله - عوض هذا الطبيب بمنصب ورقاه إلى مرتبة أعلى.»
وقد عُرف عنه زيارته المفاجئة للمستشفيات يقول سكرتيره بوزارة الصحة» فقد زار د/ غازي المستشفى العام في إحدى المحافظات وعندما وصل إلى المستشفى تفاجأ مدير المستشفى بدخول الوزير عليه، وعندما جلس لديه طلب أن يذهب إلى دورة المياه الملحقة بمكتب المدير.. ثم عاد وبدأ الجولة، وأول ما زار الحمام الخاص بغرفة أول مريض فوجده على وضع مزر صيانة ونظافة وإهمالاً، وكان للتو رأى حمام المدير، وإذا هو غاية النظافة والصيانة ثم استمر بالجولة، وعندما عاد من الجولة بدأ حديثه مع المدير وبدأ بالمقارنة بين الحمامين وقسا في حديثه مع المدير.. وعندما عاد إلى مكتبه - رحمه الله- كان أول قرار تغيير هذا المدير ونقله إلى عمل آخر.» ولعلي أستوقفكم أيضاً عند بعض من شعره رحمه الله فيقول في قصيدته «حديقة الغروب» التي قال عنها الأديب حمد القاضي إنها أم قصائد غازي القصيبي رحمه الله والتي أسماها القاضي بـ»الآهة» والتي منها:
إن ساءلوكِ فقولي: لم أبعْ قلمي
ولم أدنّس بسوق الزيف أفكاري
وختمها بـ:
يا عالم الغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه
وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري
وأنتَ أدرى بإيمانٍ مننتَ به
علي.. ما خدشته كل أوزاري
أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي
أيرتُجَى العفو إلاّ عند غفَّارِ؟
وهذا غيض من فيض كما قيل ولمن أراد الاستزادة فله بكتاب القاضي الذي ذكرناه أعلاه, رحم الله القصيبي رحمة واسعة فلقد خدم دينه ووطنه بكل ذمة وتفاني، وكما قال -رحمه الله- في رثاء أخيه نقول له:
فيا ربُّ! نوِّر بالقُبول ضَريحه
وأسكنْهُ روضاً في جنانك مُمتدا
ويا ربُّ! هل للعبدِ إلاك ملجأ
ويا ربُّ! هل إلاّكَ من يرحمُ العبْدا؟
ودمتم سالمين,,,
عبدالله بن براهيم الغليقه - القصيم - عيون الجواء