وادي الدواسر - قبلان الحزيمي:
تشكل مناطق ومحافظات مملكتنا الغالية لوحة جميلة من التنوع السياحي، فما تكاد تتجه إلى ناحية من وطننا الجميل إلا وتجد نوعاً سياحياً جاذباً، رغم المساحة الجغرافية المتباعدة والتنوع التضاريسي والمناخي والفلكلوري والاجتماعي.
ومحافظة وادي الدواسر غنية بمواقع الجذب السياحي، فهناك الآثار التي تعود لما قبل ميلاد المسيح عليه السلام بأكثر من أربعة قرون والمتمثلة في قرية الفاو الأثرية وقرية جو الأثرية، وهناك القصور التاريخية التي يعود بعضها لأكثر من مائتي عام، وتضم المحافظة العديد من المتاحف التي تعد من أهم المتاحف في الجزيرة العربية، وتشكل بعض المحميات الطبيعية والعيون الحارة نوعاً آخر من الأهمية السياحية، كما أنها منطقة زراعية من الطراز الأول وتعد أهم سلال الغذاء بمملكتنا الحبيبة. محافظة وادي الدواسر وبحكم موقعها على الطريق المتجه لمناطق الاصطياف بمنطقة عسير، يجعلها مرشحة لأن تكون وجهة سياحية جيدة صيفاً ومميزة في فصلي الربيع و الشتاء. وادي الدواسر غني بالآثار لكثرة الممالك والحضارات القديمة التي استوطنت فيه على مر العصور والأزمان، منها ما يظهر على الأرض والبعض الآخر ما يزال مدفوناً في باطنها، ولم يكشف عنها وعمّا تخفيه من تراث عريق حتى الآن ومن أهمها :
قرية «ألفاو» الأثرية
تبعد قرية الفاو الأثرية عن مركز وادي الدواسر حوالي 100 كيلومتر تقريباً من الجهة الجنوبية الشرقية، وقد استمدت القرية اسمها الحديث منها تعريفاً وتمييزاً لها عن باقي القرى المجاورة.
وقد ذكرتها النقوش باسم (قرية) و(قرية ذات كهل) وعرفت (بالفاو)، وكانت تقع على الطريق التجاري الرئيس الذي يربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها وشمالها الشرقي، ولذلك كانت لها صلات وثيقة مع ممالك جنوب الجزيرة العربية: سبأ، وقتبان، وحضرموت، ومعين، وحمير. وتدل المكتشفات الأثرية التي عثر عليها في (قرية) أنها استمرت عاصمة لمملكة كندة الأولى منذ القرن الرابع قبل الميلاد حتى أوائل القرن الرابع الميلادي.
تُحدثنا (قرية الفاو) عن تلك الحضارة العريقة لمملكة «كندة» وامرئ القيس، وملك قحطان وكيف كانت بيوتهم، وأسواقهم، ومتاجرهم، وملابسهم، وأطعمتهم، وأوانيهم، ووسائل زينتهم، ونظام أمنهم، ودفاعهم عن حصونهم، وأبراجهم، وعن ثقافتهم، وأنشطتهم الاقتصادية، والاجتماعية التي تسجلها معابدهم القديمة.
وقد بدأت الأنظار تتجه نحو «قرية الفاو» كموقع أثري منذ عام 1940م حين نبه له أحد موظفي شركة أرامكو، ثم تلا ذلك رحلات واستطلاعات علمية قام بها «عبد الله فلبي» وبعض علماء الآثار الأجانب.. فما كتبوه عنها كان النواة الأولى بيد جامعة الملك سعود بالرياض لتبرزها في «قرية الفاو» عام 1971م وتورق لنا هذه الشجرة الحضارية التي أصبحنا نتظلل تحت أفيائها التي كانت حصيلة مجهودات علماء جامعة الملك سعود.
وبنظرة إلى المساحة السكانية لقرية (الفاو) نجد أنها من أكبر المدن المعاصرة لها بل والمدن المعروفة سواءً في الجزيرة العربية أو خارجها، فطول المدينة من الشمال إلى الجنوب يبلغ أكثر من كيلومترين، وعرضها من الغرب إلى الشرق يبلغ حوالي كيلومتر واحد دون الدخول في المنطقة الزراعية للقرية.
وتشتمل آثارها الظاهرة على عدد وافر من التلال الأثرية المنتشرة والتي يصل بعضها في أقصى ارتفاع لها إلى ثمانية أمتار، ولعل أبرز المباني هي الأبراج التي تنتشر في الناحية الشرقية والجنوبية على غير انتظام، ولقد ثبت بعد فحصها أن بعضها نصب جنائزية فوق المقابر.
والسوق بُني على مقربة من الحافة الغربية للوادي الذي يفصل بين جبل طويق وبين حدود المدينة شرقي المنطقة السكنية، ويبلغ طول السوق 75.30م من الغرب إلى الشرق، و20.25م من الشمال إلى الجنوب، ويحيط بالسوق سور مكون من ثلاثة أسوار متوالية ومتلاصقة أوسطها من الحجر الجير، أما الداخلي والخارجي فمن اللبن. وللسوق باب واحد ضيق يقع في النصف الجنوبي من الضلع الغربي ويحيط بالسوق سبعة أبراج، الوسطى منها مربعة الشكل، أما الركنية فمستطيلة.
وبداخل السوق مساحة يصطف على جانبيها دكاكين من الناحيتين الشمالية والجنوبية، ودكان واحد من الناحية الشرقية، وآخر من الناحية الغربية، وواجهات الدكاكين مبنية بالحجارة، وأبوابها واسعة تنتهي بعتبة علوية نصف دائرية، وتفصل بين مجموعة وأخرى من الدكاكين ممرات تؤدي إلى مخازن خلفية، كما يوجد أدوار عليا استخدمت كمخازن أيضاً.
ويوجد في وسط السوق بئر عميقة حفرت حتى عمق خمسة أمتار وتلتصق بها قناة بسعة 20سم تنقل المياه إلى خارج السوق، ويقع غرب السوق مباشرة تل كبير ضمن التلال التي تم التنقيب عنها ويظهر في هذا التل الحي السكني الذي يُظهر تفاصيل المباني والمعابد التي أظهرت تاريخها الديني الوثني.
وتعد المنطقة السكنية من أهم معالم المدينة لأنها تضم عناصر هامة في حياة مجتمع (كندة) وتمثل صورة مكتملة لتطور المدينة العربية قبل الإسلام.
وعرفت « قرية الفاو « فناً معمارياً متميزاً ما زالت هندسته معروفة وقائمة إلى اليوم في كثير من مناطق نجد والجزيرة العربية من حيث مواد البناء، وهندسة العمارة، وتبليط المباني وزخرفتها من الداخل والخارج، وذلك فيما اكتشف من عمارة السوق والقصر والمعابد والأحياء السكنية بالقرية.
قرية « الجو الأثرية»
تقع قرية « الجو الأثرية « شمال غرب وادي الدواسر وتحديداً شمال الفرعة بحوالي كيلين ويعرف الموقع محلياً باسم (الملقطة)، حيث ذكر الدكتور عبد العزيز الغزي أن الموقع يتكون من عدد من التلال الأثرية العالية الارتفاع، والتي تدل عليها بقايا الأحجار والملتقطات السطحية من كسر فخار وحجر صابوني، وتحيط الرمال بالموقع من كل جانب مما يدل على أنه هجر منذ وقت بعيد ويعتبر هذا الموقع من أغنى مواقع وادي الدواسر بالآثار القديمة، ومن المؤكد أن هذا الموقع يسبق ظهور الإسلام وقد يكون سابقا لميلاد المسيح عليه السلام.
الرسوم والكتابات الصخرية
تعد محافظة وادي الدواسر من المحافظات الغنية في الرسوم الصخرية والنقوش، حيث أثبتت الدراسات المسحية بأن ساكن أرض المحافظة مارس الرسم بالحز على الصخور منذ سبعة آلاف سنة قبل الوقت الحاضر، وتحتوي الرسوم الصخرية على نماذج وطرز وحيوانات ورموز مختلفة تعود إلى أزمنة متغايرة.
ويوجد بالمحافظة عدد من القصور التاريخية و الأثرية القديمة ومن أهمها:
قصر الملك عبد العزيز التاريخي
يعتبر قصر الملك عبد العزيز - وهو ما يُعرف بقصر الإمارة - أحد القصور التاريخية التي تزخر بعبق التاريخ المجيد، ويعود تاريخ القصر إلى مرحلة مبكرة من مراحل تأسيس الدولة السعودية في عهد الملك عبد العزيز - يرحمه الله - والذي أمر ببنائه عام 1329هـ؛ ليكون مقراً للحاكم الإداري في وادي الدواسر، ولم يكتمل تشييده في المرحلة الأولى إلا عام 1334هـ، وفي عام 1376هـ تمت مرحلة ثانية من بناء القصر شملت مبنى البرقية والبريد، وسكن الأخويا، والأسطبل، وحوش الإبل والماشية الذي تحول لاحقاً إلى كراج للسيارات الحكومية، وقد استمر استخدام القصر مقراً لأمير الوادي وللإمارة حتى عام 1385هـ واستمر استخدام القصر من قبل بعض الإدارات الحكومية ومنها الشرطة حتى عام 1389هـ، والبريد حتى عام 1398هـ، وبعدها هجر القصر تماماً بعد هذا التاريخ.
قصر ربيّع
ويقع في المعتلا في وسط وادي الدواسر تقريباً، وتبلغ مساحته الإجمالية حوالي 1600م2، ويعود تاريخ هذا القصر إلى حكم الدولة السعودية الأولى، وينسب إلى الداعية المعروف الشيخ ربيّع بن زيد المخاريم القائم على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في عهده، ويتكون القصر من السكن الخاص والضيافة، وفي زواياه الأربع أبراج، ويبرز البرج إلى الخارج بنصف مساحته، وتتكون تلك الأبراج من دورين بالإضافة إلى بدروم سفلي كان يستخدم مستودعاً للسلاح والمئونة، أما الدور الثاني من البرج فكان يستخدم للحراسة والمراقبة، وفي الجزء الجنوبي من القصر يوجد إسطبل للخيل، أما مسجد الشيخ فكان يوجد خارج القصر في جهته الشرقية الشمالية، وهو الذي انطلقت منه الدعوة وكان الشيخ يعلّم فيه طلابه.
قصر بهجة
ويقع في اللدام ومساحته 11500م2 تقريباً، وهنا روايتان : الأولى تقول بأنّ هذا القصر كان مزرعة تسمى (بهجة) بناه ابن عياف أمير الوادي في عصر الإمام تركي بن عبد الله ؛ ليكون مقراً له ولرجاله الذي أصبح فيما بعد يعرف باسم (قصر بهجة).
والرواية الثانية أنه نسبة إلى بئر تسمى (بهجة) وهو النطق المتداول لهذا القصر، ويحيط بالقصر سور عرضه يتجاوز 50 سم في بعض المواقع وتتربع في زواياه 4 أبراج مرتفعة كما يوجد بداخله بئر للمياه ومسجد يقع على الشارع ليخدم القصر والمارة.
كما تشير بعض الروايات إلى أنه بني ليكون مقراً للحامية التركي ويدعى (بهجت).
متاحف ومنتجعات ومحميات طبيعية
بالإضافة إلى ما تضمه محافظة وادي الدواسر من مواقع أثرية عريقة، فهي أيضاً غنية بالمقومات السياحية الأخرى التي ينشدها الزائر حيث توجد بها مرافق سياحية من أهمها: دور الإيواء من الشقق المفروشة، والفنادق متوسطة التصنيف، ومتاحف ومنتجعات شخصية ومنها
متحف ومنتجع الصادرية
تبلغ مساحة متحف ومنتجع الصادرية للشيخ سلمان الهدلاء أكثر من 10000متر مربع، وتوجد بداخله نماذج لحضارات بعض الدول, ومنها تصميم لبرج إيفل، ومجسمات تمثل عادات وحضارات أغلب الدول كالتنين الصيني, وبوابة تمثل تدمر سوريا, ومجلس على النظام الماليزي, وبيت عسيري وبيت نجدي. ويحتوي المنتجع أيضاً على مجلس للزوار وغرف نوم مؤثثة، ويوجد بالمنتجع متحف يحتوي على أكثر من 2000 قطعة أثرية و5000 عملة نقدية من مختلف العصور، إضافة إلى مخطوطات سومرية.
محمية ومتحف الشيخ عبد الله الفصام
تقع محمية عبد الله الفصام في مدخل محافظة وادي الدواسر من جهة الشرق، وقد حرص مالكها على تهيئة الأجواء المناسبة التي تسخّر البيئة لتكون أجواء ملائمة للحيوانات والنباتات التي أوشكت على الانقراض، وتضم بداخلها العديد من قطعان الغزلان والوعول وعدداً كبيراً من الأرانب البرية والطيور كالنعام والزواحف ومنها الضبان والنباتات البرية كالسمر والغضى والرمث، بالإضافة إلى متحف كبير يضم بداخله عدداً كبيراً من القطع الأثرية النادرة من أسلحة وعملات ومطبوعات وبعض الأواني والملابس القديمة.
العين الحارة
يعتبر منتجع « العين الحارة» لمحمد بن هادي بن حصين واحداً من أكبر مراكز العلاج بالمياه المعدنية الطبيعية الحارة في دول مجلس التعاون الخليجي، ويقع بالمدخل الشرقي للمحافظة، ويتربع على مساحة تزيد على 20 ألف متر مربع، وبئر ارتوازية تجاوز عمقها 620 متراً، ويقصدها المتنزهون وراغبو الاستطباب من جميع مناطق ومحافظات المملكة ومن الدول الخليجية, للاستشفاء من بعض الأمراض خاصة الأمراض الجلدية، ويحتوي المنتجع على أحواض عامة للسباحة ومسابح خاصة في قسمين مستقلين: أحدهما للرجال، والآخر للنساء ملحق بهما منتجعات عائلية خاصة مزودة بمسابح وبانيوهات من مياه العين الحارة نفسها.
الصحاري
تشكل صحاري وادي الدواسر ذات التنوع التضاريسي لوحة من أجمل مكونات الطبيعة في بلادنا، فهنا الرمال الذهبية، والجبال ذات الأشكال والألوان المختلفة، والصحاري المنبسطة ذات الغطاء النباتي المميز والتي تمتد على مرمى البصر وتعتبر الموطن الأصلي للبدو الرحل، كما تعتبر مورداً سياحياً هاماً، حيث يوجد بها العديد من معالم الجذب السياحي التي لها أهمية خاصة بالنسبة للسياح، وتشمل تلك المعالم المناظر الطبيعية المتنوعة، ويتيح هذا التنوع في الظواهر السياحية الصحراوية العديد من الفرص للقيام بأنشطة ترفيهية وثقافية وعلمية ؛ مما يلبى رغبة السائح المغامر والسائح الرياضي الهاوي للسفر عبر المسالك الصحراوية، والسائح المستكشف الذي يشغفه البحث عن كل جديد، والباحث عن الثقافات الإنسانية والتراث القديم، والدارس للطبيعة والتاريخ، كما أن الجمال الطبيعي المميز للصحراء وهدوئها وعزلتها وبساطة الحياة فيها خصائص تجذب هواة التصوير وكل الباحثين عن الهدوء والسكينة.