م. خالد إبراهيم الحجي
إن كثيراً من الغربيين يرون أن اتهامهم بالعنصرية ضدَّ المسلمين هراءً فارغ وكلام باطل ؛ لأن المسلمين بنظرهم لا يشكلون عرقاً خالصاً أو سلالةً معينةً أو جنساً واحداً، لذلك لديهم قناعة بأن جميع أنواع الاضطهاد والعنف ضد المسلمين لا يكون بدوافع العنصرية، وإنما يكون بسبب التخوف والتوجس من الإسلام والمسلمين والكراهية، الذي جعل العالم الغربي لا يفرق بين سلوك المسلمين واختلافاتِهم المذهبيةِ واتجاهاتهم الطائفيةِ وبين وسطية الإسلام وسماحته واعتداله، فابتدع العالم الغربي مفهوم الإسلامفوبيا، وأصبح حملةً عالميةً قويةً ومؤثرةً جداً وظفها بمهارة شديدة ضد الإسلام والمسلمين، لم تضعف قيد أُنملةٍ على الرغم من مرور 14 سنة على بداية انطلاقها، ولديها القدرة الإعلامية على تحليل الأحداث وتعليلها وتأويلها، والتلاعب الخطير بها لتلبيس الحق بالباطل وقلب الموازين وتصوير العرب والمسلمين أنهم خطرٌ يهدد العالم.
ومع أن أكثر صناديد الإرهاب اليوم من المسلمين العرب، إلا أنه يوجد في المقابل مسلمون غير عرب تختلف ألوانهم ولغاتهم وأعراقهم وسلالاتهم وأجناسهم وعلى مذاهب إسلامية متعددة وأخلاقهم حسنة، وعلى قدر كبير من التدين والاعتدال؛ ولذلك لا يمكن للمنصف أن يتعرف على الإسلام أو يحكم عليه من خلال سلوك فرد أو جماعة من المسلمين، بل يجب أن يستمد حكمه من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والقيم والمبادئ التي دعا إليها الإسلام، واليوم تعيش جنسيات عديدة بين المجتمعات الإسلامية مثل الهنود والفلبينيين والإندونيسيين والأوروبيين والأمريكيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى، كما أن المسلمين يعيشون أيضاً بين تلك الجنسيات، فهناك تداخل بينهم في التعامل وأسلوب المعيشة، ووقف بعضهم جنباً إلى جنب مع المسلمين، بل إن البعض منهم اعتنق الإسلام بسبب أخلاق المسلمين. واتهام المسلمين بالعنصرية هراء فارغ؛ لأنّها لم توجد في عصر النبوة أو عصر الخلفاء الراشدين من بعده، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعاً. بل حاربها الإسلام وقضى عليها بالمساواة بين مختلف الأعراق، مثل: بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي، وعمر بن الخطاب الذي قال للمصري اضرب ابن الأكرمين (يقصد ابن عمرو بن العاص الذي ضرب المصري الذي سبقه)، إنما هي فكر منحرف دخيل على الإسلام والمسلمين. ولأن كلمة مسلم صفة تُميز أتباع الدين الإسلامي، وهو الدين السماوي الخاتم للناس كافة الذي نزل على خاتم الأنبياء والرسل محمد - صلى الله عليه وسلَّم - لذلك فإنَّ الأمة الإسلامية تنتشر في جميع أنحاء العالم وتتكون من جميع الأعراق المتباعدة والسلالات المتباينة والأجناس المختلفة، وكذلك الحال ينطبق هذا الوصف بالنسبة لأصحاب الديانات السماوية الأخرى مثل: اليهودية والمسيحية، أو العقائد الباطلة مثل: الهندوسية والوثنية فإنَّ أهلها أمم تتكون من عدة أعراق متباعدة وسلالات متباينة وأجناس مختلفة.. وفي الحقيقة إنَّ العرق والسلالة والجنس ليس واقعاً بيولوجياً قطعياً وإنما مفهوم تم وضعه على أسس التصنيفات الجسدية والوراثية والاجتماعية، أو بالأحرى تصنيفات لا أساس لها من الصحة لتبرير الاستعلاء والكبرياء على الآخرين، وحب السيطرة والتملك. والذين يتصفون بالتمييز العنصري والعرقي وبشعور الكراهية العمياء تجاه الآخرين يجب ألاَّ يكون لهم مكان في عالم اليوم، الذي تخطى عدد سكانه عتبة السبعةليارات نسمة، منهم مليار وستمائة مليون مسلم على مختلف المذاهب الإسلامية. فهل يعقل أن يوجد في الوقت الحاضر مذاهب تتبنى فكراً قريباً إلى حد كبير من فكر التميز العنصري والعرقي مثل فكر الكراهية والإقصاء.. ومع وجود تشابه بين المسلمين وبين باقي أجناس البشر في كثير من جوانب الحياة إلا أن المسلمين مرتبطون بدينهم في أغلب جوانب الحياة، وبعضهم أكثر تديناً من البعض الآخر، وهناك البعض الآخر ينتمي إلى الإسلام ولكن أقل تديناً، ولكل مجتمع ما يميزه من الشخصيات المختلفة بمشاربها المتنوع، لذلك يجب أن تختفي الكراهية والعنصرية بسبب اللون أو العرق أو الجنس أو الدين؛ وبالتالي من باب أولى أن تختفي الكراهية والعنصرية بين المسلمين مهما اختلفت مذاهبهم الإسلامية، لأن الطائفية والعنصرية وجهان لعملة واحدة؛ وعلى الرغم من أن الدين الإسلامي وحَّد بين الأعراق المختلفة وجمع بين السلالات المتباعدة وألف بين الأجناس المتباينة؛ لأن المسلمين إلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد وقبلتهم واحدة، إلا أنهم في الوقت الحاضر يعيشون في حالة من الانقسامات المذهبية المتنوعة التي اختلطت بالتمييز العنصري والعرقي وبشعور الكراهية العمياء فأصبح من الصعب جداً التمييز بينهما في سلوكيات أتباع المذاهب الإسلامية تجاه بعضهم بعضاً، ويتطور أحياناً إلى نزاعٍ مسلحٍ دمويٍ على رقعة الأرض الصَّغيرة التي يشتركون في السكن على سطحها، فجميع النزاعات التاريخية والصراعات الفكرية أو الدموية، أو موجات الجهاد التكفيري، التي تضرب جنبات العالم العربي اليوم، تحتدم معاركها على أراض أهلها من المسلمين على مذاهب إسلامية مختلفة تتمحور حول اختلاف المذهب السني مع المذاهب الإسلامية الأخرى، ومن النادر جداً أن نرى صراعاً فكرياً أو دموياً بين أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى لا يكون أتباع المذهب السني طرفاً فيها، فبسبب ظهور داعش، وهي نبتة سلفية من المذهب السني تؤمن بالفكر التكفيري والجهادي، اُرتُكبت جرائم تنكيل وقتل في حق المسلمين الآخرين، تم نشرها عبر وسائل الإعلام الحديث إلى مختلف أنحاء العالم، فشوهت صورة المذهب السني على وجه الخصوص نتيجة اعتناق داعش له، وجعلت العالم يصفه بأنه المذهب الحاضن للإرهاب. كما امتد هذا الانقسام إلى أتباع المذهب السني نفسه؛ فبعد أن كان فكر الكراهية والإقصاء متوارثاً منذ عصر السلف ومحصوراً بين المذهب السني وبين المذاهب الإسلامية الأخى، انشطر أيضاً المذهب السني على نفسه، مع ظهور الإسلام السياسي في العصر الحديث، إلى مذاهب تتعاطى مع السياسة والحزبية متمثلة في (الجامية والسرورية والإخوان) ومذهب نقي بعيداً عن السياسة والحزبية متمثلاً في السلفية الأصيلة.. ومن خلال قراءة الأحداث في الماضي والوقت الحاضر نجد أن العلاقات المختلفة بين المذاهب الإسلامية المتعددة ترتكز في الدرجة الأولى على مزيج مركب من الانقسامات المذهبية، والتعصب والكراهية والإقصاء التي تصل إلى حد العنصرية، وللقضاء عليها يجبُ على المسلمين استهدافَ الفكر التكفيري والجهادي، الذي شوه الإسلام وألصق تهمة الإرهاب بالمسلمين، ومحاربته من خلال إطلاق حملة عالمية لنشر التسامح ورحابة الصدر واحتمال المسلمين لبعضهم بعضاً، تتجاوز الحدود وتعبر القارات لتصل إلى أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة في أرجاء العالم، تكون أكثر ذكاءً وفعاليةً، وأقوى تأثيراً وأوسع انتشاراً من حملة الإسلامفوبيا التي أطلقها العالم الغربي، بل يجب أن تتخطاها في الزخم وتتجاوزها في الاستمرارية، ولتنجح نجاحاً مبهراً يجبُ أن يقومَ على قيادتها وإدارتها أتباعُ المذهبِ السلفي، بصفته المذهب المحوري والنقي بين المذاهب الإسلاميةِ المختلفةِ، ومذهب المحجةِ البيضاء لجميع المسلمين.
الخلاصة:
يجب على المسلمين أن يوظفوا أخلاق التجاوز والحلم والاصطبار بين أتباع المذاهب المختلفة لاحتواء بعضهم بعضاً والوصول إلى الاندماج الاجتماعي الإسلامي المثالي.