د. أحمد الفراج
ذات يوم، وصلتني رسالة لطيفة من زميل يعمل شريطياً في معارض السيارات، وكانت الرسالة مذيلة بلقب «الدكتور»، ولم أستطع تصديق أن صاحبي، الذي أعرفه، وأعرف قدراته جيداً، قد حصل على الدكتوراه، وقررت أن لا أناقشه في الأمر، إذ قد يكون كتبها من باب المزاح، ولم تمض عدة أشهر، حتى انتشرت ظاهرة « التدكتر» كالنار في سعف النخيل، ففي شهر محرم يحصل أحدهم على الماجستير، وبعدها بأشهر يصبح دكتوراً، وبلغ الأمر غايته، حينما تحول بعض تجار العقار، ووسطاء الدم، ومن على شاكلتهم، تحولوا بين يوم وليلة إلى دكاترة، بل وأصبحوا يروجون لذلك في الصحف والمراسلات والمجالس. والمؤسف هو أن معظم الدعاة والوعاظ دخلوا على الخط، وتدكتروا. وهنا مفارقة عجيبة، لا يمكن تجاوزها، فكيف يتم الجمع بين عمل الخير، المتمثل في تبصير الناس بأمور دينهم، وبين الكذب والتزييف، ولكن لله في خلقه شؤون.
هناك رابط غريب بين ما يسمى «التدريب المعتمد» و»تطوير الذات»، وبين الحاصلين على شهادات الدكتوراه الوهمية، فمعظم القائمين على هذين المجالين في بلادنا هم من الوهميين، ولا غرابة في ذلك، فهذين المجالين - وبعد دراسة وتقصٍ من قبلي - هما مجالان خصبان للتدليس، وشفط المال دون جدوى، وبالتالي فإن المسألة كلها عبارة عن ممارسة للاحتيال من قبل مجموعة من تجار الشهادات المحتالين، المدعين زورا حصولهم على شهادات عليا. ولأن حبل الكذب قصير، فقد قيض الله مجموعة من المخلصين لملاحقة المكاتب الوهمية، التي تبيع الشهادات العليا المزيفة، وملاحقة أصحابها، وقد نجحت الحملة إلى حد ما، ولكننا نحتاج لتكثيف العمل على هذا الأمر، وملاحقة الوهميين رسمياً وشعبياً، نظراً لخطورة هذه الظاهرة، فمن يكذب في أمر مثل هذا، فلن يتورع عن ارتكاب أكبر المحظورات، وهو مثل من يزيف الحصول على شهادة في الطب، ثم يتسبب في وفاة الناس، ويظل الأكثر إيلاماً هو ممارسة المحسوبين على العمل الدعوي للكذب والخداع والتزييف.
لو كان الوهمي المزيف فعل ذلك للحصول على برستيج اجتماعي وحسب، دون أن يكابر ويدعي المعرفة لهان الأمر. هذا، ولكننا ابتلينا بمن لا يكتفي بارتكاب جريمتي الكذب والتزوير، بل ويفاخر بذلك، ويتهم من يفضحه بأنه حاقد!!، بل طال بنا الزمان لنشاهد واعظاً على شاشة التلفزيون، يتهجم على محاوره بالقول «من أنتم؟»، في لغة عنجهية، وتغطرس واضح، مع أنه من أشهر نجوم «هلكوني». ولأن وسائل التواصل الاجتماعي عبارة عن بث حي لنبض الشارع، فقد تم الحديث عن ظاهرة الكذب والخداع والتزييف لدى الوهميين بشكل مكثف، لدرجة أننا نتوقع أن يكون في ذلك درس بليغ، لكل من عاش زمناً طويلاً على هذه الممارسات غير الأخلاقية، والتي تعد منكرات شرعية يجب القضاء عليها نهائياً. وبما أن ظاهرة شراء الشهادات قد تم فضحها، وهناك من اعترف، واعتذر، فإننا نأمل أن يحذو بقية الوهميين حذوهم، قبل أن يخسروا ما تبقى لهم من سمعة، فالاعتراف بالخطأ، والاعتذار، خير من المكابرة، فما بني على باطل فإنه سيستمر باطلاً حتى النهاية، فهل يفعلون؟!. شخصياً، أشك في ذلك!.