د. عبدالحق عزوزي
أعد مؤخراً موقع 24 الإخباري الذي يترأسه الدكتور المتنور وذو السبق الفكري والأدبي والإعلامي علي بن تميم فيديو متميزاً وفريداً من نوعه، ونشره على الموقع بعنوان: «كيف شوه المتطرفون كلمة «الله أكبر» من 11 سبتمبر إلى اليوم». وهو عمل مشكور ومأجور، فكلمة الله أكبر هو اسم لله المعبود بحق، المنعوت بنعوت الربوبية، المتفرد بالوجود الحقيقي، وتفعيلنا لكلمة «الله أكبر» يجعل المصلِّي يُقبل على الصلاة بقلبٍ خاشع لله، مستحضِرٍ اليقظة والانتباه، منفصِلٍ عن دنياه، مستغرِقٍ في مُناجاة مولاه، و»الله أكبر» تقتضي من قائلها التوحيدَ الخالص، وتفويضَ الأمور كلِّها لله تعالى، وترك مرضاة النَّفس الأمَّارة بالسُّوء ومَرْضاةِ الناس إلى مرضاة الله تعالى...
أما الإرهابيون فيتلفظون بها عند القيام بأعمالهم الإرهابية أو في شعاراتهم الرنانة ليصوروا للعالم أن الدين الإسلامي دين سيف وقتال وليس دين وسطية ومحبة واعتدال...
وكلمة الله أكبر معناها أن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء في هذا الوجود، وأعظم وأجل وأعز وأعلى من كل ما يخطر بالبال أو يتصوره الخيال.
فالمؤمن الحقيقي إذا وقف بين يدي الله تعالى لمناجاته وأداء عبادته وتلفظ بهذه الكلمة عليه أن يستحضر هذه المعاني. والجملة مركبة من كلمتين: من اسم الجلالة «الله» وهذه الكلمة اسم علم على الذات العلية كما هو معروف بالبديهة وبالفطرة. لذا قال العلماء: «الله» علم على الذات العلية الواجبة الوجود المستحقة لجميع المحامد، أنزله على آدم في جملة الأسماء وهو أشهر أسمائه، ولهذا تأتي بعده أوصاف له، وقد قبض الله تعالى عنه الألسن فلم يسم به سواه عزَّ وجل. وكلمة «أكبر» بصيغة أفعل التفضيل معناها أجل وأعظم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة. رواه أصحاب السنن. وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما أدخلته جهنم. رواه أحمد وغيره.
أما المتنطعون والإرهابيون اليوم فيقومون بأعمالهم اللاإنسانية باسم «الله أكبر» وباسم الدين الإسلامي الحنيف، والإسلام بريء من هؤلاء القتلة الفجرة... وهو موضوع الساعة عند الخاص والعام في مشارق الأرض ومغاربها... وتلكم التنظيمات الجهادية زادها تشدداً وغلواً فشلها في الجمع بين الدين والسياسة فانفجرت القشرة الحامية لكرة التعايش وتحجرت العقول وأضلوا أنفسهم وضلوا... الدين للجميع والحلال بين والحرام بين والسياسة هو فن إدارة الاختلاف، والزج بالدين في السياسة والسياسة في الدين خطر على الدين وخطر على السياسة وخطر على المجال السياسي؛ والأدهى من ذلك هو غلو مريدي التنظيمات الجهادية الذين يرتمون منذ نعومة أظافرهم في مستنقع الفكر الشمولي ليخلقوا إيديولوجية عمياء وهي في نظرهم خلاصية ولا تطيق الاعتراف بفشل مشروعها السياسي أو الاجتماعي، وأكثر من ذلك فشل الجميع في العلم والمعرفة والتربية والتقنية؛ فيؤدي العرب والمسلمون، وللأسف الشديد، ثمن خروج التنظيمات الجهادية عن صفحات التاريخ.
وهذا العنف الذي يحاول أن يستلهم تعبيراته من الإسلام الوسطي السمح، هو عبارة عن موجات متكررة ودائمة باسم الدين، وهو عبارة عن مغناطيس قوي يجذب أبناءنا وشبابنا ويودي بهم وبإخوانهم إلى التهلكة، بل ويجذب حتى أبناء الجيل الثالث من الجالية المسلمة المقيمة في اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بل وحتى أستراليا. فلا يمكن الاستخفاف بهاته الداهية العظمى ولا الإعذار، فنحن مهددون في ديننا وأوطاننا وتاريخنا وثقافتنا وتواجدنا بين الأمم، وهذا يشمل «داعش»، و»جبهة النصرة»، و»بوكو حرام» في مالي و»أحرار الشام»، و»أنصار الشريعة» في ليبيا، و»القاعدة» في اليمن، وغيرها من التنظيمات المتطرفة في سيناء، ومنطقة جنوب الصحراء الإفريقية.... وهي كلها مسميات لإرهاب واحد حيث يضع مريدوها للانتهازية عنواناً من الدين، ويقدمون للظلم وسفك الدماء البريئة تبريرات من الآيات، ويعطون لأفعالهم وأعمالهم وجشعهم أسماء من الشريعة، ويضفون على انحرافهم هالة من الإيمان ويجعلون سفك الدماء ظلماً وعدواناً عملاً من أعمال الجهاد.... وهاته أمور ليست من الإسلام في شيء، وإنما خروج عن الدين والعقل وتصرف جاهلي يتشح بالدين ويتسربل بالشريعة لتذوب من خلال هاته الأفعال قيم الإسلام السامية وتمحي بهاته الأفعال مثل القرآن العليا، والإسلام بريء منها.
وما دامت هاته الفرق الداعشية القاعدية تدعي لنفسها احتكار الحق وتزعم أنها على جادة الإيمان وترمي غيرها باتباع الباطل وأنها كافرة ملحدة بالدين، فإن المشكلة العظمى إذن في عقولها وتكوينها وجهلها، بمعنى أن المنظومة التربوية والتعليمية والتكوينية في مجتمعاتنا أفرزت مثل هاته الفيروسات الخطيرة.