الجحود يعنى الإنكار، والمنكِرُ جاحد، وقد يُنْكرِ المنكر ويجحد ما يعلم وهو يعلم أنه جاحد علم ما يعلم. فإذا كان الجاحد يستر ما هو معلوم بالضرورة، فهو كفران بما علم، ومن يكفر بما علم، فكفرانه دليل على ضآلته إدراكه لمعنى الاعتراف بما يعلم، والجاحد يقدر بقدر الجاهل للمعلوم. وتاريخنا العربي وأخص به تاريخ جزيرة العرب/ مرصعة صفحاته بنجوم متلألئة زينة سماتها تاريخ البشرية، كقس بن ساعدة الأيادي الحكيم الذي أفحم دلالات المعاني ببسيط المفردة، وحاتم الطائي المتوفى قبل الإسلام، رمز الجود والكرم، الحكمة، والكرم، وهما خصلتان حميدتان في الإنسان من خصال مكارم الأخلاق، بلغت بهما بين من بعدهما، مبلغ خلود الذكر في التاريخ البشري. وبهذه الخصال في الرمزين؛ يوصف ويضرب المثل. ورغم هذا كله، يأتي من بجحد قدرهما، كمن يجحد قدر شهداء الوطن، حينما يجود بخيل على جواد بإطلاق اسمه على شارع مغلق، لا يتجاوز طوله (60) متراً وعرضه (3) أمتار على لوحة إرشادية، أو شهيد استشهد دون وطنه، يسمى باسمه شارع لا يعرف موقعه إلا مهندس مختص بقراءة خرائط المخططات، سيموت ذوو الشهيد وأيتام الشهيد من بعده وهم لم يمشوا أو يشاهدوا شارعا سمي باسم ابنهم، أو أبيهم الشهيد. وهذا لا يعني إلا كفران بقيمة فاضلة، وحدها، خلدت حاتم، ومثلها قيمة فاضلة هي التضحية بالنفس دون الوطن وأهله.
وتصريح منسوب لعضو في فريق المبعوث الأممي قال فيه: إن ولد الشيخ معروف بحياده. لو نسيء الظن بابن الشيخ لقلنا «هذا حق يراد به باطل» لو كان ابن الشيخ مفوضا للوساطة لتقريب وجهات النظر بين فريقين لا يعرف مقدار أو كل الحق لأي منهما، ولكن مهمة ابن الشيخ في واقعها ليست وساطة بين طرفي يُجهلْ مع من يكون الحق منهما. ابن الشيخ ممثل مهمته تماثل مهمة قاض التنفيذ، أمامه صك مختوم من مجلس الأمن، كما يختم قاضي المحكمة على صك الحكم. ومجلس الأمن بموجب سلطاته المخولة بموجب الميثاق مخول من جميع دول العالم المنضوية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، مخول بتنفيذ الحكم الصادر وفق أولوياته الموضوعة، وأزمنته المبينة وآلياته المحددة، وليس له أن يكون حياديا فيما يلزم أن يكون حازما فيه لتنفيذه. كفران بن الشيخ بوجب التنفيذ لقرار 2216 لا الوساطة فيما يشتمل عليه، هي كمن يقلل من قيمة خصلة من خصال مكارم الأخلاق في حاتم الطائي. ما الذي تمخض عن اعتقاده أنه وسيط؟ وأن عليه ما على الوسيط من التزام الحياد بين الطرفين الشرعية ممثلة بالرئيس هادي المنتخب من الشعب اليمني، والذي اصطف وراءه، وبذل ولا زال يبذل الأرواح في سبيل خياره، والحوثي الغاصب وحليفه رئيس نصب نفسه رئيسا بمدفع الدبابة، فخلعه الشعب، وبذل أرواح ودماء في سبيل خلعه؟ اعتقاد ابن الشيخ أنه وسيط حدى به على مدى يزيد عن سبعة عشر شهراً، أن يحيد القرار 2216 عن مسار تنفيذه الصحيح، وسعى لدى الحوثيين وحليفهم لتقليل سقف مطالبهم، ليعود للحكومة الشرعية لعلها توافق على بعض مما يطلبه الحوثيون، وهكذا. واكتوى بنار نقضهم لعهودهم، ونكرانهم لوعودهم، إلى أن حلت الكارثة بزيارة المخلوع، وكأن ابن الشيخ يلتمس منه مساعدته لإقناع الحوثي بالتنازل عن شيء من مطالبه, بهذا الموقف وهذه الزيارة أعطى ابن الشيخ انطباعا للحوثي وحليفه أنه يمنحهم شرعية غير مستحقة، كانوا ولا زالوا ساعين لها، مع سلبية ابن الشيخ الواضحة من عدم الإعلان الصريح والتهديد بوقف المباحثات ما لم تنفذ مليشيات الحوثي والمخلوع وقف إطلاق النار (الهدنة) وأن ابن الشيخ كسابقة بن عمر سيتخلى عن الحياد وينحاز لجانبهم. نستطيع أن نتجاوز عن أخطاء بن عمر لأنه كان يعمل لتوفيق في ظل مخرجات الحوار الوطني، مع عدم وجود قرار صريح من مجلس الأمن منبعه الفصل السابع، بينما شيخنا ابن الشيخ بوجود القرار (2216) فليس سوى قاض تنفيذ، كان عليهن يكون منحازا بشدة لتنفيذ الصك «القرار 2216» وألا يكون للحياد مكان في مهمته هذه، وهو ما كان عليه أن يمارسه في بياناته ومؤتمراته الصحفية، لأن ابن الشيخ يعلم أن إيران الفارسية تسمع وتقرأ وتراقب كل ما يصدر عنه، وأنها لن تحيد عن نتيجة يكون لها في البرلمان اليمني ثلث معطل. ولكنه بالنسبة للشرعية وأشقائهم الخليجيين - حلم ابليس بالجنة. فاليمن ليس لبنان حسن نصر الله ولا عراق نوري المالكي. وإن كان في اليمن حوثي، فأقصى آماله في نهاية الأمر أن يكون في مأمن في كهفه بجبال مران. وإن كانت دماء اليمنيين تنادي أولياءها تردد قول: الفضول: الشاعر الأديب السياسي الإعلامي - عبدالله عبد الوهاب النعمان -:
كم شهيد من ثرى قبر يُطلُ
ليرى ماقد سقى بالدم غرسه