د. خيرية السقاف
في ضوء الرغبة في التطوير الشامل, والتوجُّه للاتفاق العام, والعمل على الترابط المتفاعل, والتعاون المنتج, فإنّ ما يُلحظ عكس هذا التوجُّه في سلوك العلاقات العامة بين المؤسسات الخدمية و»الجمهور», بوصفها الأولى في مسؤولية الرصد لآثار أدائها لمساسه بحاجات الأفراد, وبأهداف النظام, وقواعد التنمية, لتقوم بتطويره, وتطويعه لسد الثغرات سواء في أدائها, وتنفيذها أو في آليتهما.., أو في أوجه القصور إنْ كان في خططها وبرامجها وسبل الوصول إلى هذا الجمهور.. أو في نتائجه بشكل ما.
وأول ما يربطها بهذا الجمهور هي وسائل الإعلام, سواء فيما تقدمه من تقارير, أو تعقيبات, أو صور, وأخبار, أو مقالات لكتّابها, وحوارات مع محرريها, لذا فإنّ وسيلة الإعلام قبل أن تتطور تقانتها, وتستجد منافذها وأشكالها, كانت السلطة ذات الاعتبار في منظومة السلطات المعنية بالأفراد في جميع المجتمعات, وكان في مجتمعنا للإعلام ووسائله الدور ذاته,
فبدراسة دقيقة ورصد محكم سوف توجد هذه الحقيقة وتظهر للسطح, ولنا معشر الكتّاب فيها شهادة لا أحسب سيغفلها عاقل, ولا صادق..
فقد كانت الوسيلة مذ فجر صدورها بين أيدي المسؤولين, وما كان المسؤول يتجاهل ما يُكتب عن دائرته, سواء مدحاً فيمتن ويجد فيه ما يحفزه للمزيد ويستحث إمكاناته لتدر, أو كان ذماً فيذهب لتقصِّي الأسباب ومن ثم الإيضاح, والأخذ بالأفضل,
المهم, أنّ هناك تفاعلاً وتجاوباً مع هذه السلطة التي تدخل البيوت, وتطل على الأسوار, بل الآن غدت مع آخر وأول نفَس يذهب للنوم أو يستيقظ مع العصفور..
غير أنه مع كامل السبل التي قربت المؤسسات بأفرادها, وأتاحت لكبيرها وصغيرها مجال السمع والنظر, مع القراءة والكتابة, بمثل ما يسّرت لهما سرعة الوصول وتبادل الرأي، فإنّ العلاقة ليست تتناسب تفاعلياً بين ما تنشره هذه الوسائل بسلطتها التي تمكنت أكثر, وقويت بشكل مميّز, وأسرعت بتفوق, وتيسر لها الوصول فائق الزمن لأي مسؤول أتاحت له ذات السرعة بوسائل التواصل الحديثة ليتبادل الرأي بينهما,
وإنّ هذه العلاقة بينهما ليست على قدر المتوقع في ضوء المتيسر..
الكتُّاب والصحفيون كأنهم يتحدثون مع أنفسهم, والمؤسسات تعج بأصواتها فلا تُسمع..
فهل علمتم بمن أخذ برأي, أو تبنّى فكرة, أو تجاوب نقاشاً مع مقترح كما ينبغي أن تكون عليه علاقات التبادل الجاد بين الفكر, والرأي, والإعلام, ومؤسسات المجتمع..؟
ولعله سلوك عام قد ساد, ليس بين الإعلام وطروحاته والمؤسسات المختلفة فقط, بل بين الإعلاميين أنفسهم, وبين الكتّاب الأدباء أيضاً, ..
وكأن كلاً منهم يحدِّث ولا يحدِّث إلا نفسه في قوقعة, ...
لا تفاعل, ولا تأثر, ولا شعور إلا ما ندر من نزْرٍ قليل, بدافع انتقاء, ونخبة..!
أو من خرج للجدل, والصراخ, فيتولاه من هو ضده,
أو من هم يهرفون مع «شقرا» تركض مع «الخيل»..!!
العلاقات المنتجة مفقودة بين الجميع في شكلها المثالي,
..أو حتى القريب منه..!
فالعزلة فاغرة فمها كالبئر تلتهم أجمل العلاقات, وأوجبها, وأحقها, وأصدقها..
وتفضي للذوبان في داخل هذا العج ..!!